مينا ماهر يكتب: ماتضحكش…الصورة تطلع طبيعية!
دردشة…بالعربي الفصيح:
تم إنتاج فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" بطولة الراحل أحمد زكي، عام ١٩٩٨! آنذاك كان السيناريست العظيم وحيد حامد يرنو الى مناقشة ظاهرة حب الناس للظهور في أجمل صورة، وهذا طبيعي جداً، بل ومطلوب نفسياً أيضاً! لكنه لا يجب أن يمارَس في جميع الأوقات، فلا نرتطم بواقعنا في النهاية ويلقي بنا أرضاً بلا هوادة!
الجميل أن الكاتب وحيد حامد ربط تلك الملحوظة الاجتماعية بحياة مصور بسيط، صميم مهنته هو أن يجمل صور زبائنه كما يحلو لهم، ومع هذا كان يقظاً ألا يقع هو نفسه فريسة لصورة كاذبة غير حقيقية في حياته الخاصة!
كان التصوير الفوتوغرافي وقت إنتاج الفيلم - سواء كهواية أو مجرد ممارسة اجتماعية - له وقته الخاص وطقوسه المقدسة! فلم يكن التصوير متوفراً لكل شخص وفي كل وقت كما هو الحال الآن! فاليوم أصبحت الكاميرات الهاتفية حقاً مكتسباً لكل أحد، ومن الصعب علينا أن نتخيل الحياة بدونها! وبعدما كان التصوير يتطلب بكرة فيلم خاصة، وآلة تصوير متخصصة ودقة وحذر في التعامل مع الفيلم المصور، غدى التصوير مجرد زر رقمي بسيط في الهاتف وفي متناول يد الجميع! ومع وجود مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، لم يعد التصوير يقتصر فقط على مناسبة خاصة أو ظرف معين، بل انتهكت تلك القدسية ليمارس في أي وقت وفي أي مكان! فبعد أن كنا نبتسم فقط لتجميل صورة رقيقة في مناسبة ما، أصبح لابد لنا أن نبتسم للعدسة كل يوم لنخبر من حولنا أننا على أحسن حال؛ وكأننا نهرب من واقعنا لنعيش داخل عالم افتراضي زائف، لكنه في الوقت نفسه لذيذ وشهي إذا اجتذب انتباه الناس نحونا، فصاروا يتفاعلون معنا ويسجلون اعجابهم، فنزداد نحن ايضاً نشوةً وكبرياءً ونرجسية!
فإن كان أحدهم يمر بضيقة، فليبتسم كثيراً امام الكاميرا ليوحي للجميع أنه في قمة السعادة! ومن تعاني من علاقة زوجية فاشلة، تضحك بعذوبة باستمرار بجانب زوجها في إطار عدسة هاتفها حتى تثبت للعالم انهما في غاية الانسجام!
وربما تتساءل… ما الضرر في هذا؟! أليس هذا ما كان يقصده الكاتب وحيد حامد؟!
بالقطع لا! ما أراد توضيحه حامد اننا أحياناً نلجأ لفعل هذا في مواقف معينة بغرض حفظ ماء الوجه، لكن بكل تأكيد لم يكن يقصد أن يكون هذا التصرف نمط حياة! لكن اليوم قد تحول هذا السلوك - مع الأسف الشديد - إلى هذا الحد!
كم هائل من الخداع يتم أمام العدسات! ورغم أنه قد يظن البعض أنه لا ضرر ولا ضرار من هذا الاتجاه، أود أن أجزم أن تأثيره قد يكون أخطر بكثير من تأثير وسائل الاعلام التلفزي والاعلانات! فكم من بيوتٍ خربت من وراء هذا الخداع الصريح الرخيص!
فهذه الابتسامات الباكية قد تشعل نيران الغيرة والغضب في بيت آخر يحاول جاهداً الحفاظ على ثبات حوائطه! وللأسف المقارنات السلبية هي فطرة بشرية لا مفر منها! فتنهار أركان هذا البيت بسبب صورة غبية تعكس عالم مثالي لا وجود له على أرض الواقع!
هل معنى هذا أنه لا يجب علينا مشاركة أفراح ومناسبات بيوتنا مع الغير، حتى وإن كانت حقيقية وصادقة؟! قبل الاجابة بنعم أو بلا، يحتم علينا الامر أن نسأل أنفسنا اولاً ما هو الغرض من المشاركة ما دام الشأن يخص العائلة؟!
تلك العلاقات والمشاعر العائلية لها خصوصيتها وحميميتها! وقد يكون الدافع للمشاركة بريئاً جداً في أول الأمر، بينما الخوف الحقيقي من أن ننخرط تدريجياً مع التيار الحالي فنعتاد على المشاركة لمجرد التباهي، فنثير غضب بعض الأزواج أو الزوجات ممن لا يقومون بمشاركة مشاعرهم مع شركاء حياتهم وتبدأ المقارنة السلبية اللعينة! وقد يعتاد ايضاً أفراد العائلة على هذا النوع من التهاني المعلنة على العموم، فلا تصبح التهنئة الخاصة كافية بعد هذا!
دعونا نتخيل للحظة أننا لازلنا لا نتمتع بمواقع تواصل اجتماعي كالماضي، او لم نكن سنكتفي فقط بالمعايدة على أفراد أسرتنا داخل نطاق العائلة! أم هل كنا سنطوف في أركان المدينة هاتفين بالمعايدات والتهاني العائلية؟! بالطبع لا!
إذن من الأفضل لنا - في رأيي - أن نستمر في تكريس خصوصياتنا في إطارها الصحيح، ولا نطلع العامة عليها، للحفاظ على السلام العام، ومصداقية المشاعر الأسرية في المقام الأول! فهناك أناس - مع الاسف - يظهرون ما لا يبطنون، مما يجعلني اود أحياناً أن أصرخ في وجوههم واتوسل إليهم ألا يضحكوا، لتظهر الصورة طبيعية!!!