مينا ماهر: زلزلة كنسية...أم مهزلة أزلية؟
ذهبت مرة الى كنيسة من كنائسنا القبطية في بلد ما كنت أزوره؛ وما أن دخلت من الباب الرئيسي، فوجئت بعدم وجود أحد يقف في بهو الكنيسة الخارجي! لا أطفال ولا بالغين والكنيسة في غاية الهدوء! تعجبت ونظرت في ساعتي حتى اتأكد ان اليوم هو الأحد فعلاً وأن الساعة مضبوطة، وقلت في نفسي ربما لم يصل أحد بعد!
دخلت صحن الكنيسة بالفعل وكان وقت توزيع المزامير وإذ بالكنيسة تكتظ بالأطفال والشباب والرجال والنساء وكبار السن! جميعهم في غاية التركيز بلا همس ولا غمز!!! اندهشت لكني أدركت أننا في ساعة مبكرة من الصباح، فربما لازال النعاس يغلب عليهم؛ بعد قليل سيبدأون في الحركة حينما يصيبهم الملل!!!
بدأ تقديم الحمل وإذا بالشمامسة والكاهن والشعب يصلون في تناسق وانسجام بأصوات عذبة تقشعر لها الابدان! والاطفال يملؤون الكنيسة، دون كلام او لعب أو لهو في الهواتف المحمولة! بل وأكثر من هذا، حينما يدخل أحدهم الكنيسة، لا تلتفت إليه أعين الحاضرين، ما عدا عيون شخص واحد، لم يفلت منه أحد وكأنه يسجل حضور وانصراف، وهو العبد لله!!
انتابني الشك للحظة وقلت بالتأكيد هناك خطأ ما!! فخرجت لأتأكد من لائحة اسم الكنيسة التي بالخارج، خوفاً من أن اكون في كنيسة غير قبطية لا سمح الله؛ وها انا أذهل انها كنيسة ارثوذكسية قبطية لا ريب فيها، فدخلت رأساً وجلست في مكاني بكل أدب!
كان شباب الشمامسة هم من يقرأون ويقودون بقية الشمامسة والشعب أثناء القراءات! وتخيلوا أنني لم أجد نياماً أو متهامسين خلال عظة الكاهن! بل ولم يتحرك أحدهم إطلاقاً الى أن بدأ القداس! ووقت القبلة المقدسة، ابتدأ الشعب كله بالسلام على بعضه بلا استثناء، وفي غاية المحبة والصدق؛ وكان البعض يحتضنون بعضهم البعض أيضاً! ما هذا الهراء!! أيعقل أن جميعهم على وفاق فيما بينهم؟! ألا يخلو الأمر من بعض الضغينة أو النميمة!
الشمامسة ككل كانوا في غاية النظام، بل وكانوا يتبادلون المرددات في سلاسة دون عراك ولا غيرة! فازداد شكي أكثر، فهناك خطأ بكل تأكيد! حاولت أن أسأل بهدوء الشخص الواقف بجانبي، فقال لي بوقار وخشوع:
- هشششش…
فارتبكت واضطررت أن التزم الصمت، لكن كان الفضول يقتلني؛ ولم تكف عيناي عن التحديق في كل من حولي، في حين هم، من كبيرهم الى صغيرهم، لم تنزوِ أعينهم عن المذبح المقدس للحظة!
جميع الصغار كانوا يرددون الألحان باللغة اليونانية والقبطية والعربية وهم مستوعبين تماماً لما يقولونه؛ واضح من خشوعهم وعيونهم المغمضة أنهم مدركون لكل كلمة تخرج منهم!
أما في وقت التناول فاصطف الجميع في نظام دون كلام! لم أصدق عيناي! أردت أن أستفسر من الشخص الواقف أمامي في طابور المناولة.، فرد علي في غاية اللطف وقال:
- ممكن نتكلم بعدين؟... دي أقدس لحظة في القداس كله!!!
الى ما هناك وصلت عند الكاهن للتناول، فنظر لي نظرة ثاقبة ثم سألني:
- انت مين يا حبيبي؟... اول مرة اشوفك!!
فأجبته، فسألني مرة أخرى:
- مين اب اعترافك؟…
فقلت له، ولأنها كانت ايام صوم سألني أيضاً:
- صايم؟
أجبته ببساطة:
- صايم قدسك!
فابتسم وقال:
- صايم بس عن الاكل ولا عن الحاجات التانية؟
ما عسى أن يكون هذا السؤال!!! لم أعرف بماذا أجيبه فقلت باستخفاف مفرط:
- آه!
فناولني على أي حال، وانتهى الأمر!
وعند وقت رش الماء، لم يكن هناك أي دفع أو شد أو جذب؛ فالجميع كانوا في أماكنهم منتظرين الكاهن أن يأتي نحوهم! ولما أدركني، كانت قد أصابتني للأسف حالة من الهلع من هذا النظام الوقور المخيف! كنيسة وقداس في غاية الجمال والقداسة، وانا لم اعتد على هذا بأي شكل من الأشكال! فإذ بي أصرخ كالمجنون راغباً الخروج من هذا المناخ المهيب! فلم يكن من الكاهن أن قال بكل هدوء:
- بالراحة...سيبوه خالص!
وابتدأ الشعب فجأة يرنمون بنغمة واحدة وبكل سلام: كيريا ليسون!!!
والأب الكاهن جاء نحوي بالتحديد حتى يرشني بالماء، معتقداً أن بي روحاً شريراً! وقبل أن أشرح له سبب اضطرابي، قام هو برشي بالماء بغزارة …
وبعدها حصلت زلزلة عظيمة جداً!!!
لأجد نفسي في النهاية نائماً في سريري في منزلي واولادي يرشونني بمسدس ماء في وجهي وهم يقفزون على السرير بشدة! فقمت في عز تلك الغوغاء وقلت:
- اشكرك يا رب…الدنيا "لسه بخير"!!!