مينا ماهر يكتب: كان في الأصل حلواني!!
كان يُشهد لدكان "روقا" الحلواني منذ القدم من القريب والبعيد؛ فما أشهى منظر صواني الكنافة والبسبوسة وهي مرصوصة بعناية في واجهته الداخلية، لا سيما أيضا أطباق الرز باللبن ولقمة القاضي وأصابع القشدة اللذيذة! منتهى الفخامة واللذة! كانت تأتي إليه الناس من الشرق والغرب حتى تدلل حواسها بما لذ وطاب من أصناف الحلوى الشهيرة والمذكورة في قائمة دكانه العريضة، المعلقة على الحائط الخلفي لمنضدة البائع.
في بداية الخمسينيات، ابتلى هذا الدكان بهجوم شديد من الفئران من تحت تدبير بعض المنافسين الحاقدين، مما أدى إلى خسارة فادحة انتهت بإغلاق أبواب الدكان إلى الأبد على كل ما فيه من محتويات وبضائع قد لوثتها القوارض اللعينة! فقد كان الدكان قبل الحادث يحفل بالعديد من الحلوى الجاهزة الطازجة، بالإضافة إلى مخزون وفير من الزيت والدقيق والسكر والسمن البلدي وخلافه يكفي لسنوات؛ باتوا جميعهم مع الأسف تحت سطوة الفئران الجائعة! وما كان يفضل عن الفئران كان النمل الصغير يقوم بالتقاطه! أما الذباب ذو الأزيز المزعج فكان دائم التحليق فوق سرب الفئران المنغمسة في أطباق الحلوى، منتظراً اللحظة الحاسمة ليستولي على الوليمة كلها هو الآخر!
أخذت البضاعة المخزونة بالنقصان تدريجياً حتى القرن الواحد والعشرين بسبب الاستهلاك الأعمى للفئران؛ وقتها قرر زعيم الفئران بغشامة تحديد الزعامة على ذريته فقط، مما أدى ببقية الفئران إلى السخط عليه، فقاموا بدورهم بتشجيع النمل وبقية الحشرات الزاحفة الأخرى ليقوموا بثورة عارمة ضده! في ذات الوقت، تم الاتفاق أيضاً مع الذباب المتطفل أن يركب الموجة هو الآخر ويقوم بخطف الزعامة من الفئران ويسيطر على الدكان! فناصر النمل الذباب آملاً في طبعهم الحشري المثيل أن ينعم لهم بحياة عزيزة!
نجحت الخطة بذكاء فائق ووصل الذباب فعلاً إلى العرش؛ وبات النمل مطمئناً، معتقداً أنه قد انتصر على طائفة الفئران! والذباب أيضاً قد اعترته نشوة من جنون العظمة كقوة حاكمة أبدية! لكن في حقيقة الأمر أن الفئران قد نفّذوا بدهاء خطة ازدواجية الهدف: أسقطوا بها حكم الفأر الفاسد، وفي الوقت نفسه ملَّكوا الذباب الجشع الأناني زمام الأمور حتى تدرك بقية الحشرات لاحقاً أن لا خير لهم إلا في ظل الفئران!
وبالفعل، لما نقص خزين الدكان بشكل ملحوظ، اشتكى النمل وهاج على فساد الذباب الانتهازي! فقامت الفئران من جديد بطرد الذباب من السيطرة بتعضيد من الحشرات؛ فعادت الزعامة للفئران من جديد! ورجع الحال أدراجه إلى ما كان عليه من استخفاف واحتقار وتهميش للحشرات، لكن مع العجب، استقبلوه بكل الرضا والشكر والحمد!
كل هذا العبث كان يتم خلف أبواب دكان روقا المغلق طوال السنوات الطويلة الماضية! وما هي إلا مسألة وقتية حتى ينفذ مخزون الدكان بأكمله وتهجره جميع الحشرات والقوارض إلى أماكن أخرى تنتعش بالموارد!
وعلى الرغم مما سبق، لا زال المارة في الشارع يعتبرون دكان روقا معلما اثرياً؛ وإن سأل أحدهم ما هي يا ترى قصة هذا الدكان القديم العظيم يكون الرد عادةً: "دا كان في الأصل حلواني!"