نسرين عيسي تكتب: على روحك السلام
قليل من البشر يولدون والمجد في مهدهم، فتجد لديهم نصيب وافر من الملَكات مثل رجاحة العقل وقوة البصيرة ليكونوا ملئ السمع وملئ القلب وملئ البصر، ومن هؤلاء واحد له العديدُ مِنَ الإسهاماتِ الفِكريةِ في تطوُّرِ الفكرِ العربيِّ الفَلسفي، وصاحبُ مشروعٍ فَلسفيٍّ مُتكامِل هو المُفكِّرٌ والفَيلسُوفٌ الدكتور حسن حنفي.
تحية حب ووفاء لأستاذي الراحل الدكتور حسن حنفي، والحقيقة أنا لا اكتب مقالي هذا لأرثي فيه أستاذي القدير والعظيم حسن حنفي لأنه لم يكن يحب الرثاء على صفحات الجرائد والمجلات أو أي منصات إعلامية، فالرثاء عليها كالندب الجنائزي لا يجدد غير الآلام، كما انه كان قليل الظهور إعلاميا لأنه ببساطة شديدة مفكر يعمل في صمت وهدوء وعندما كان يظهر في الأعلام تشعر بنجم سطع أضاء عتمة السماء بعلمه وأفكاره المرتبة وثقافاته المتعددة وتشعر وقتها انك أمام هذا الفيضان المعرفي مهما قرأت و مازالت تقرأ أمامك سنين طويلة لتصل لهذه الدرجة من التفكير الذى وصل له الدكتور حسن حنفي!
مقالي هذا عزيزي القارئ ليس كلمات رثاء لأستاذي العظيم الدكتور حسن حنفي كما ذكرت في بداية كلامي وإنما هو رد على طيور الظلام التي طلت برأسها من خلال نوافذ إعلامية غرضها الرجوع بنا لظلمات العصور الوسطى، هؤلاء الأشخاص الذين انتهزوا رحيل الدكتور حسن حنفي ليهاجموه ويهللوا لوفاته فرحا، فقد كان فكره وقلمه يكشف هؤلاء الإرهابيين المتأسلمين أصحاب العقول المظلمة فكريا وجزء من نسيجهم ومعتقداتهم يعتمد على العنف ومن يعتقد غير ذلك فهو شخص ساذج، فعندما نتحدث عن اسم الدكتور حسن حنفي يجب أن نتذكر هذا الإنسان المفكر الذي شغف الجميع بالكثير من مواقفه حبا وتقديرا في كل شأن قام به من علم ترجم للعديد من اللغات المختلفة تعالوا نتذكر سويا جزء بسيط جدا وكنت أود أن استرسل اكثر ولكن عذراً لضيق المساحة.. من هو الأستاذ الدكتور حسن حنفي؟
وُلِدَ حسن حنفي بالقاهرةِ عامَ ١٩٣٥م، وحصَلَ على ليسانسِ الآدابِ بقِسمِ الفلسفةِ عامَ ١٩٥٦م، ثُمَّ سافَرَ إلى فرنسا على نفقتِهِ الخاصَّة، وحصَلَ على الدكتوراه في الفلسَفةِ مِن جامعةِ السوربون. رأَسَ قسمَ الفلسفةِ بكليةِ الآدابِ جامِعةِ القاهِرة، وكانَ مَحطَّ اهتمامِ العديدِ مِن الجامعاتِ العربيَّةِ والعالَميَّة؛ حيثُ درَّسَ بعدَّةِ جامِعاتٍ في المَغربِ وتونسَ والجزائرِ وألمانيا وأمريكا واليابان.
انصبَّ اهتمامِ الدكتور حسن حنفي على قضيَّةِ «التراثِ والتَّجديد». يَنقسِمُ مشروعُهُ الأكبرُ إلى ثلاثَةِ مُستويات: يُخاطبُ الأولُ منها المُتخصِّصين، وقد حرصَ ألَّا يُغادرَ أروِقةَ الجامعاتِ والمعاهِدِ العِلمية؛ والثاني للفَلاسفةِ والمُثقَّفين، بغرضِ نشرِ الوعْيِ الفَلسفيِّ وبيانِ أثرِ المشروعِ في الثَّقافة؛ والأخيرُ للعامَّة، بغرضِ تَحويلِ المَشروعِ إلى ثقافةٍ شعبيَّةٍ سياسيَّة.
للدكتور حسن حنفي العديدُ من المُؤلَّفاتِ تحتَ مظلَّةِ مَشروعِهِ «التراث والتجديد»؛ منها: «نماذج مِن الفلسفةِ المسيحيَّةِ في العصرِ الوسيط»، و«اليَسار الإسلامي»، و«مُقدمة في عِلمِ الاستغراب»، و«مِنَ العقيدةِ إلى الثَّوْرة»، و«مِنَ الفناءِ إلى البقاء».
حصلَ الدكتور حسن حنفي على عدةِ جوائزَ في مِصرَ وخارِجَها، مثل: جائزةِ الدولةِ التقديريةِ في العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠٠٩م، وجائزةِ النِّيلِ فرعِ العلومِ الاجتماعيةِ ٢٠١٥م، وجائزةِ المُفكِّرِ الحرِّ من بولندا وتسلَّمَها مِن رئيسِ البلادِ رسميًّا.
رحم الله الفيلسوف المصري والمفكر حسن حنفي، فكتبه صورة صادقة من فكره ونفسه؛ عميق الفكر، متوثب العبارة، قوي الإرادة، فهو قامة عقلية كبيرة فقدناها، لكن العزاء أنه أنجز مشروعه الضخم الذي كان يحلم به، بل وختمه كما تمنى بكتابة سيرته الذاتية ، على روحك السلام أستاذي القدير المفكر والفيلسوف الدكتور حسن حنفي.