مينا ماهر يكتب: انتحار ”خارج الصندوق”!
يحكى أن هناك أحد القساوسة جاء يركض إلى قِس شاب في أوائل خدمته:
- تعالا معايا يا أبونا...
- خير يا قدس أبونا...
- بسرعة مافيش وقت....انتحار يا أبونا انتحار!!!
ذهب معه القس الشاب متوتراً وركب معه السيارة...ظل الاثنان صامتين من هول الخبر ثم تمالك القس أعصابه الشاب وسأل:
- بالهداوة كدة يا أبي، فهمني مين انتحر؟
- هو لِسَّه ماحصلش انتحار، إحنا رايحين نلحقه قبل ما يحصل...
- طب هو راجل، ست، ولا مين؟
- دي عائلة بحالها!!
تعجب القس الشاب وقال:
-عائلة بحالها بتنتحر؟ ربنا يرحمنا!!
وصل القسيسان إلى مكان الواقعة وسرعان ما دخلا المنزل، حتى تساءل القس الشاب في نفسه:
- ما كل حاجة تمام أهي، مافيش لا حد متعور ولا حد بيعيط؟ فين الانتحار أُمَّال بس يا أبونا؟
واتضح أن الموضوع كان مجرد خلاف عائلي...فانصرفا بعد أن قضيا وقتاً بسيطاً مع العائلة وباركاها!
بعد يومين تكرر نفس الموقف...اتجه القس الكبير نحو الأصغر مرتبكاً وهو يصرخ:
- هِم معايا يا قدس أبونا...انتحار تاني...
هرول الكاهن الشاب معه وهو يدمدم:
- انتحار تاني؟؟ هو كان فيه اولاني أصلاً!! على الله مايطلعش أي كلام زي اللي قبله!!!
وإذ بهما يتوقفان أمام أحد الملاهي الليلية، فاستنكر القس الشاب:
- ايه يا أبونا؟...هو ايه اللي جايبنا هنا؟ هو في حد إنتحر هنا؟
- ربنا يمد أيده و مايحصلش!
ثم وصلت سيارة بداخلها شاب، وما أن نزل حتى نزل القس الكبير وابتدأ يكلمه...وبعد حديث طويل استقل ثلاثتهم عرباتهم ومضوا...
وبنفس الطريقة بعدها ركض الكاهن الكبير نهاراً نحو مثله الشاب وقال:
- انتحار يا أبونا...
إلى ما هناك، وصلا مجمع التحرير وذهبا للقاء أحد الموظفين، ثم مضيا...
ففكر القس الشاب في نفسه:
- ما هو يا إما عايز يمشورني معاه عالفاضي يا إما هو بيضحك عليّٓ زي قصة الراعي و الديب...أنا المرة الجاية حأقول له مش رايح معاك ... روح إنتِ لوحدك!
وعنها، تكرر نفس الموقف، فتوقف الكاهن الشاب وقال:
- إنت متأكد يا أبونا انه انتحار؟
- طبعاً متأكد...ما انت كنت بتشوف بعنيك؟
- أنا ماشفتش أي انتحارات يا أبونا...
- إزاي بقى؟!... العائلة اللي إحنا زورناها، كانوا حايقدموا أوراق طلاق تاني يوم، والواد اللي قابلناه قدام النادي الليلي لسه فاسخ خطوبته اللي استمرت ٧ سنين وكان داخل يشرب ويسكر ويهرج عشان ينسى، والموظف اللي روحنا المجمع نقابله بيجوز ولاده، و كان قرر انه حايبتدي يأخذ رشاوي وعمولات عشان يقدر يعيش...كل دا مش كفاية يا أبونا؟
- كل دا على عيني و راسي، بس فين الانتحار؟
- و هو ايه الانتحار يا قدس أبونا؟ هو أن تفقد الرجاء...مش لازم تموت عشان تبقى انتحرت...ما تفكرش جوة الصندوق...أي رد فعل أهوج ناتج عن فقدان الأمل في حاجة معينة...هو انتحار!!! وخلي بالك...مش بعيد يكون الانتحار اللي في بالك هو نهاية مطاف الانتحارات الكثيرة التانية دي اللي احنا شوفناها..عشان كدة أنا كنت بأجري الحق المصايب دي، و مع ذلك أنا ما قدمتش حلول للمشاكل...كل اللي عملته إني عرفتهم إن ربنا مازال موجود......معايا يا أبونا؟
فكر القس الشاب فيما قاله مثيله الأكبر، وسكت لبرهة ثم قال:
- سامحني يا أبي... أسأت الظن فيك!
واستطرد بتوتر:
- و يلا بينا بسرعة نلحق حالة الانتحار دي قبل ما الفأس تقع في الراس!!