نسرين عيسي تكتب: سيد القمني!
انطفأ شعاع نور في التنوير برحيل الكاتب العلماني الاستاذ سيد القمنى يوم حزين لأصحاب العقول التي تفكر ولكن عزائنا الوحيد في ما تركه لنا من تراث يرسخ به افكاره في عقلنا من خلال كتبه ومقالاته وابحاثه فهي ثروة فكرية تنويرية عظيمة لا يستهان بها، معظم أعماله الأكاديمية تناولت مرحلة حساسة في التاريخ الإسلامي فأحتار الكثيرون في اتجاهاته الفكرية حيث يعتبره البعض باحثاً في التاريخ الإسلامي من وجهة نظر ماركسية والبعض الآخر يعتبره صاحب أفكار جريئة من خلال تصديه للفكر الذي تؤمن به جماعات الإسلام السياسي، ولكن عزيزي القارئ ان سيد القمني ليس هذا ولا ذاك فقد ذكر اكثر من مرة في حواراته المتعددة لينهى هذا الجدل حوله وصرح بأنه إنسان يتبع فكر "المعتزلة". وباختصار شديد جدا "المعتزلة" هي فرقة كلامية ظهرت في أواخر العصر الأموي وقد غلبت على "المعتزلة" النزعة العقلية فاعتمدوا على العقل في تأسيس عقائدهم وقدموه على النقل، وامنوا بالفكر قبل السمع، ورفضوا الأحاديث التي لا يقرها العقل.
ولم يسلم سيد القمني طوال حياته وبحثه الفكري من محاربة العقول المظلمة له فوصفوه بأنه "مرتد" وبأنه "مرتزق" لدى المؤسسات المعادية للإسلام في الوطن العربي، و"بوق" من أبواق الولايات المتحدة لتشابه وجهة نظره مع نظرة الإدارة الأمريكية في ضرورة تغيير المناهج الدينية الإسلامية وخاصة في السعودية، والحقيقة التي يعلمها المتابع الجيد لـــ"سيد القمني" أنه كان ينادي بهذا التغيير لعقود سبقت الدعوة الأمريكية الحديثة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
من اهم مقالات سيد القمني والتي نشعر فيه بتصاعد لهجة المقال ضد الإسلام السياسي وكان أكثر المقالات حده هو المقال الذي كتبه على أثر تفجيرات طابا في أكتوبر 2004، وكان عنوانه: «إنها مصرنا يا كلاب جهنم!»، حيث هاجم فيه الشيوخ والإسلام السياسي ليس هذا المقال فحسب فهناك العديد من المقالات الأخرى تصاعدية اللهجة والتي كانت سبب فى تلقيه العديد من التهديدات بالقتل بعدها أعلَن اعتزالَه الفكري والكِتابة، ثم تراجَع عن قَراره فيما بعد. وأخيرًا وبعدَ جهدٍ طويل جاءَ تقدير الدولةِ له بمنحِهِ جائزةَ الدولةِ التقديريةَ عامَ ٢٠٠٩م، وقد صحبَ ذلك طبعا هجوم عنيفٌ مِنَ الرفضِ والاعتراض.
قارئي العزيز أرشح لك بقوة قراءة هذه الكتب وهي من أبرز مؤلفات سيد القمني: «حروب دولةِ الرسول» «الحزب الهاشمي» «الأُسطورة والتّراث».
إن سيد القمني كما قال عنه الروائي والمفكر حامد عبد الصمد: "هو تراث بحثي وفكري كبير وإكمال مسيرته فرض عين على كل الباحثين في سوسيولوجيا التاريخ والأديان اما المجملون والمجاملون فلا حاجة لنا بهم ".
وفى نهاية مقالي اقول ربما انطفأ شعاع نور للتنوير بغياب سيد القمني ولكنه اضاء عقول الكثير من تلاميذه، السلام على روح سيد القمني فقد رحل عقل يفكر ويعبر بجرأة ادهشت الجميع الخصوم قبل الأحبة!
نسرين عيسي
ساسكاشوان - كندا