6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس استثمار 100 مليار دولار في مجال الذكاء الاصطناعي تطوير أول حارس إنقاذ بالذكاء الاصطناعي في الأنهار

جورج موسي يكتب: سيد القمني وفاتورة التنوير

رحل منذ أيام المفكر والباحث وأستاذ التنوير الدكتور "سيد القمني" عن عمر يناهز 74 عاماً ، القمني الحاصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2009 والذي عاش حياته مؤمناً بما يقول وما يفعل وكان مشروع عمره أن يجعل البشر جميعاً تتعايش في سلام وآخاء، والذي كان يؤمن بالمواطنة الحقيقية فرفض المادة الثانية من الدستور لأنها تجور على حقوق الأقليات وكانت لديه الشجاعة في وقت ندر فيه الشجعان أن يقول بأعلى صوته أن هناك تمييزاً طائفياً في مصر لا شك فيه ومن يقول غير ذلك يفتري على الله وعلى الأقليات وعلي الجميع أن يعلم أن من حق الجميع اختيار ما يعبد ومن حق أي أحد أن يعلن ألحاده ولا يعاقب ولا يهدد في حياته أو قوت يومه.

 أدرك "القمني" منذ سنوات خطورة ما يدرسه الطلبة من أفكار متشددة في بعض مناهج الأزهر والمعاهد الدينية التابعة له فأراد محاربة التشدد والعنف عن طريق تصحيح الخطاب الديني وتنقيح المناهج، وكان ينادي بالعلمانية فقد آمن أن فصل الدين عن الدولة هو الطريق الوحيد لسلامة الأوطان، القمني الذي أتسم بالشجاعة في مواجهة فكراً متأصلاً ضارباً جذوره لمئات السنين في تربة هذا الوطن دفع ثمناً باهظاً من وقته وصحته وماله وأمانه وأمان أسرته على مدار سنوات وسنوات! 

رحل القمني الذي كان يتعايش من مدخول كتبه القليل ورغم ذلك لم يكن يتاجر بكلمته ولا طلب يوماً أجراً على ظهوره في حلقة تليفزيونية لينير فكر بني وطنه بل على العكس كان يتعرض للهجوم الضاري وربما السخرية والتكفير من بعض المذيعين والمتصلين في هذه الحلقات ووصل الأمر أنه تعرض للضرب والإهانة داخل قناة "أزهري" الذي كان يحاوره فيها خالد الجندي مالك القناة ورجل الدين الأشهر الذي يأخذ ملايين وملايين من المتاجرة بالدين وكان الجندي يشرف على ضرب "القمني" في قناته على حد قول "القمني" بنفسه!

وربما لا يعلم الكثيرين أن القمني تعرض لكم هائل من التهديدات في حياته وهذا التهديدات طالت أسرته فاضطر في عام 2005 حفاظاً على حياة أسرته أن يستقيل من مجلة روزا اليوسف ويكتب رسالة اعتذار معلناً فيها أنه يتوقف عن الكتابة وكان نص الرسالة كالأتي: "تصورت خطأ في حساباتي للزمن أنه بإمكاني أن أكتب ما يصل إليه بحثي وأن أنشره على الناس، ثم تصورت خطأ مرة أخرى أن هذا البحث والجهد هو الصواب وأني أخدم به ديني ووطني فقمت أطرح ما أصل إليه على الناس متصورا أني على صواب وعلى حق فإذا بي على خطأ وباطل، ما ظننت أني سأتهم يوما في ديني، لأني لم أطرح بديلا لهذا الدين ولكن لله في خلقه شؤون".

كتب هذا حتى يضمن أمان أسرته ثم عاد بعد ذلك يكمل مشروعه الفكري حين شعر أن أسرته أصبحت في أمان فهذا الرجل الذي تمزق يوماً ما بين واجباته كأب ورب أسرة وما بين واجبه كمفكر وتنويري يحمل رسالة للبشرية لا يستحق سوي أن نحترم تاريخه وانتاجه الفكري الذي كان له بالغ الأثر في حياة كثيرين.

سيد القمني ظل ينادي بأفكاره ولم يهزمه لا مرض ولا سخرية ولا هجوم حتى النفس الأخير ولست أظنها مصادفة أنه قبل وفاته بساعات كان قد سجل آخر حلقة تليفزيونية له مع الأستاذ أبراهيم عيسى في برنامجه (مختلف عليه) فالرجل ظل ينادي بأفكاره حتى النهاية.

يا عزيزي قد تتفق أو تختلف مع بعض أو حتى كل ما نادي به "القمني" ولكنك لا تملك سوى أن تحترم رجلاً آمن بأفكاره التي تمحورت حول القيم الإنسانية السامية والتعايش السلمي بين جميع البشر وظل ينادي بهذه الأفكار ويدافع عما يؤمن به حتى النفس الأخير، فتحية لروح "سيد القمني" وسلاماً على هذا الذي قال كلمته ومضي وخالص العزاء لأسرته الكريمة، أما نجلته أيزيس القمني فأقول لها لا تحزني فأنتِ ابنة القمني وهو من هو و لو كره الكارهون وهو يقض مضاجعهم حتى وهو في قبره، وحسبك أنك كنتي خير الابنة التي دافعت عن والدها حياً وبعد رحيله من هذا العالم .