جود نيوز أحد رعاة الحفل.. تذكرة مجانية إلى مصر! في حفل ١٩ يوليو مدينة أوروبية تعرض أراضي للبيع بثمن فنجان قهوة.. هل تفكر في الشراء؟ فتح تحقيق بحادثة انتحار ”روبوت” ابتكار زجاج ”يصلح نفسه” موجة حر تذيب تمثال أبراهام لينكولن في واشنطن كيف تتأثر الشهية بحرارة الصيف؟ للوقاية من السكري.. احذر الضوء في هذا الوقت من الليل السباحة للحامل في الصيف.. الفوائد وشروط الأمان دراسة تكشف فائدة غير متوقعة للبرقوق إلغاء مباراة سموحة وبيراميدز بسبب حريق في إستاد الإسكندرية السعودية تعتزم استضافة نزالات نسائية في بطولة القتال النهائي ”يو إف سي” المهاجم الياباني ميورا البالغ 57 عاما ينضم إلى ناد جديد ولا يفكر في الاعتزال

مينا ماهر يكتب: رواية كلمتين في حب مصر (5)

دردشة…بالعربي الفصيح:

مقدمة: كتبت هذه الرواية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك وانتهيت  منها قبل ثورة ٢٥ يناير بأسبوع! 

المذيع هادي ابو الخير يقدم برنامجه الإذاعي "كلمتين فى حب مصر" وتلقى مداخلة من رامز المصري مشجعاً للهجرة وراوياً له عن والدته أم دنيا الارستقراطية الأصل التي باعت أطفالها بعد افلاسها ووفاة زوجها؛ و بيع رامز بدوره بهدف التبني إلى سيدة خليجية مستغلة تدعى سبيكة، لكنها ما لبث أن عاملته كخادم! أما هو حينما أدرك سوء نيتها، فعزم على إغضابها حتى قامت أخيراً بترحيله من بلدها!  

حلقة ٥:

قد يجهل البعض أن ترحيل مصري من بلد خليجي عملية معقدة ومهينة جدا تتخللها إجراءات بيروقراطية -وعنصرية ايضاً. فما هي إلا إذلال رسمي و -للأسف- مسموح به! وما على السفارة المصرية إلا أن تسلم بالأمر الواقع وتستلم مواطنيها. بالنسبة لرامز، فكان مستعداً أن يمر بكل هذا لأجل الرجوع لامه عواطف. استغرقت عملية الترحيل أسبوعاً تقريباً ما بين تحقيق و سب و حبس و مهانة.....الخ. حتى موظفو السفارة المصرية لم يكلوا أيضا عن الإسقاطات السخيفة كمثل:

- الله يخرب بيوتكم...هو انتم يا صنف الخدامين ما تستروش في حتة أبداً؟ انتو عايزين تاكلوا عيش ازاي؟... 

لأول مرة كان رامز يرى جواز سفره الذي حرصت سبيكة علي تجديده حتى يطبع عليه ختم إقامة الدولة الخليجية.

وصل أخيراً إلى القاهرة وكان عنوان والدته مكتوباً في جواز السفر، فاستقل رامز إحدى سيارات الأجرة وذهب رأسا الى العنوان المدون؛ وما إن وصل، حتى دفع للسائق أجرته -مما كان يدخر من مصروفه اليومي على مدار السنين الماضية- تماما كما ظهرت في العداد، و إذ بالسائق ينظر له شزراً:

- يعني انت عمال تبص عالعداد من الصبح...وأقول دا سرحان...مافيش مشاكل...تقوم تدفعلي اللي عمله العداد؟ 

- اه ...هو العداد بايظ ولا ايه؟

- لا يا حدق...ضرب إفلاس! انت حاتستعبط؟ هو فيه حد بيمشي ع العداد؟

- طب عايز كام؟

- ٦٠ جنيه!

- كام؟! 

 كان هذا أول تعامل رسمي لرامز في مصر، فهو على وشك أن يصطدم بحضارة جديدة -وفريدة- لم يرها قبلا الا من خلال التلفاز. بالطبع لم تكن هذه هي الأجرة المستحقة، فسائقو الأجرة في جمهورية مصر العربية قادرون على التمييز بين المصري ابن البلد والمصري المغترب ببراعة تفوق العقول وكأنهم يفحصون زبائنهم بأشعة سحرية تكشف عن خباياهم وتاريخهم.  فمهما احترف المغترب في تبديل مفرداته الغريبة بالمفردات المصرية المحلية فهو من المؤكد سيفشل في كشف الهيئة أمام أصغر سائق أجرة. وعندما يتبين أن الشخص مغترب فعلا، تزداد الأجرة -بعون الله- الى الضعف وأحيانا أكثر.

 لم يبال رامز أن يدفع رغم غلو المبلغ، فهو كان مهتما أكثر بـ رؤية امه والتي تسكن على بعد أمتار معدودة من سيارة الأجرة. ذهب بخطوات جريئة الى باب المنزل، وطرق الباب وقلبه ينبض بسرعة متزايدة . فهو أخيرا سيرى امه، و لأول مرة لم يكن يعرف ماذا سيقول. حاول في ذهنه تخيل الموقف والتدريب عليه أكثر من مرة، ولكنه قرر في النهاية أن يدع الأمور تسير كطبيعتها. لم يستغرق الباب وقتا حتى فُتح ولكن شغف رامز صور له كل شيء بالتصوير البطيء...

فُتح الباب على مصرعيه فعلاً وإذ برجل يظهر بملابسه الداخلية قائلاً:

- اي خدمة؟

خرج رامز فورا من عالمه الساحر ليصطدم بالواقع وسأل:

- هو دا مش بيت الست عواطف؟

- عواطف مين؟ أنا اللي ساكن هنا! 

- لا مؤاخذة شكلي غلطت في العنوان...

استدار رامز ليذهب وهو في غاية الحزن، فمن المؤكد انها قد انتقلت الي مكان اخر، فالعنوان الذي على جواز السفر قديم جدا. و ما إن أدرك رامز الشارع حتى استوقفه نفس الرجل:

- أستني ، تكونش تقصد الست ام دنيا؟

انفرجت أسارير رامز حين سمع الاسم، وقال مهرولا نحوه كطفل صغير:

- عليك نور ...ام دنيا...هي فين؟

 

***

 

لم يستطع هادي ابو الخير ان يخفي فضوله فبادر رامز بسؤال:

- وطلعت فين؟

- طلعت عزلت وقتها من عشر سنين في عشة صغيرة فوق عمارة في المهندسين ...

- وطبعا رحتلها؟

- رحت وما لاقتهاش ...قلبت عليها الدنيا لحد ما عرفت انها بتشتغل عند رجل اعمال امريكاني هو و مراته...ساكن في جاردن سيتي...

 

***

 

كان يوما شاقا جدا مليئا بالتنقلات من حي إلى آخر، لكن ما ان وصل رامز إلى الڤيلا التي يسكنها الرجل الامريكي ودق جرس الباب، حتى فتحت له امرأة عبوس في منتصف الأربعينات من عمرها متسائلة: 

- أفندم؟ اي خدمة؟

- الست عواطف؟

- أنا عواطف...اي خدمة؟

ارتجف رامز رجفة ملحوظة وقال:

- أنا رامز!

- اهلا وسهلا...رامز مين؟

ازداد الأمر صعوبةً، فقد كان رامز متخيلا ان ام دنيا ستحتضنه فورما تسمع من هو، فتزيل عنه عبء الشرح وحرارة اللقاء، ولكن لم يكن الاسم كافياً، فاسترسل موضحاً: 

- أنا رامز ...ابنك يا...ماما!

تجهم وجه ام دنيا وازداد عبوسة، فصمتت لخمس ثوانٍ عادت فيها بالذاكرة ثلاثة عشرة سنة إلى الوراء، متصورة الأحداث كما جرت بالتفصيل، منذ تسليم رامز لسبيكة، واستلامها الثمن؛ وإذ بها فجأةً تغلق الباب خلفها، حارصةً ألا يسمعها احد من داخل المنزل، آخذة خطوتين الى الامام نحو رامز وهي توبخه:

- رجعت ليه يابن الكلب؟...هو أنا وزعتكم هزار؟!....لا تكونش فاكرني كنت باهزر؟...هو أنا لاقية أأكل نفسي أنا وأختك دنيا...اللي لولا الظروف كنت وزعتها هي كمان...روح غور من مطرح ما جيت ...دا أنا ما صدقت نسيتكم!

وسرعان ما دخلت المنزل مغلقة الباب خلفها، دون ان تسمح له بالرد…

يتبع في الحلقة القادمة من العدد التالي.