The Fine Line Between Democracy and Social Disorder البابا تواضروس بعد ١٢ عام من رئاسته للكنيسة 6 قضايا على مائدة قمة العشرين 2024 محمد صلاح عايش بكتالوجه عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد ”أوروبا” إلى الجحيم‎ بالحق تقول معنى حُريَّة المرأة أسطورة الملك الإله‎ أنا طفل وعمري خمسة وثمانون عاماً! (2) قدّم سيرتك الذاتية لتأكلها.. أغلى وجبة في البلاد تثير ضجة منع استخدام كلمة التنمر في المدارس

عبد المسيح يوسف يكتب: هل نتجه نحو نظام عالمي جديد بسبب الصراع الروسي الأمريكي في أوكرانيا؟ ... (1)

سؤال جيوبوليتيكس يفرض نفسه مع تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، ورغبة أوكرانيا في الانضمام لحلف الناتو "شمال الأطلنطي" بتشجيع وضغوط أمريكية، وسط رفض روسي قاطع لأن موسكو تعتبر هذا مهددا لأمنها القومي. هل نتجه إلى نظام عالمي جديد؟ سؤال مهم أن نفكر فيه ونحلله؟ أم أننا يجب أن ننتظر الإعلام الأمريكي ليبشر بنظام عالمي جديد حسب المصالح الأمريكية المغرضة؟ هل تناسينا نظريات الأمريكان حول نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما نهاية القرن العشرين، وصراع الحضارات والديانات؟ لم ينس أحد، خاصة المهتمين بالشؤون السياسية والعلاقات الدولية هذه الأمور. ولم يعد من الضروري أن يبشر الإعلام الأمريكي المغرض، والمهيمن عليه لأغراض سياسية من الإدارة الأمريكية للتبشير بما يحقق المصالح الأمريكية حتى يهتم العالم بما يحدث.

المتابع عن قرب لتطورات الأحداث الدولية، وخاصة التي الولايات المتحدة طرفا فيها، يجد أن السنوات العشر الأخيرة، شهدت أولا انحسارا في الدول الدولي لواشنطن علي مستوى التأثير من الملفات الدولية، والأمر الثاني أن بعض من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية التقليدين لم يعدوا يثقوا فيها دولة قائدة ومؤثرة للنظام العالمي أحادي القطبية، حتي لو كانت أمريكا تقوده والدول الأوربية الغربية تسير في ركابها.

أهم حلفاء أمريكا التقليدين لم يعدوا يثقوا في دورها أو جدوى التحالف معها، لأنها في منطقة مثل الشرق الأوسط مثلا، قامت بخيانة عدد من النظم العربية، ودعمت قوى مناوئة سياسيا وتاريخيا لاستقرار النظم السياسية الحاكمة في المنطقة العربية الشرق أوسطية، فيما عرف بنظرية الفوضى الخلاقة، التي صرفت عليها الولايات المتحدة مليارات الدولارات، لتدعم قوى الإرهاب الظلامية، المختفية وراء عباءة الدين الإسلامي، من داعش وجبهة النصرة وجماعات السلفيين والإخوان المسلمين، فيما عرف حسب الإعلام الأمريكي بثورات الربيع العربي. وكانت فوضي هدمت دول مثل ليبيا وسوريا واليمن وهزت الاستقرار التاريخي والاقتصادي والسياسي لدول مصر وتونس والمغرب.

وكان من الطبيعي أن تخشي قوى الخليج البترولية أن تمتد هذه الفوضى إليها، خاصة وأن إحدى هذه الدول الخليجية، وهي قطر، كانت تقوم بدور العراب الأمريكي لحماية وتمويل جماعات الإرهاب الديني وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة الإرهابية لطالبان في أفغانستان وغيرها من النقاط الساخنة، بدعم لوجيستي وعسكري من الطرف الآخر العراب في منطقة الشرق الأوسط للدور الأمريكي التخريبي، وهي تركيا. إذ كانت قطر وتركيا أهم دولتين اعتمدت عليهما أمريكا في تدمير المنطقة. لم تحقق واشنطن أي من هذه السياسية الفوضوية التدميرية في منطقة لطالما، نعم لم تكن قريبا من الديمقراطية، ولكنها كانت تنعم بالاستقرار السياسي والمجتمعي، وهذا ما عانت منه على مدار السنوات العشر الماضية، بسبب الدور التخريبي للإدارة الأمريكية الديمقراطية، برئاسة باراك حسين أوباما، ومعه هيلاري كلينتون وجون كيري.

فقدت أمريكا ثقة حكام المنطقة العربية الشرق أوسطية، وخاصة في منطقة الخليج، التي تمتلك وزن جيو-استيراتيجي وسياسي واقتصادي في النظام الاقتصادي العالمي، خاصة بعد أن تغيرت دفة تحالفاتها من واشنطن، لتسير نحو الشرق إلي بيكين وموسكو في الصين وروسيا العدوين اللدودين للولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

حاولت الإدارة الأمريكية ابتزاز بعض النظم الخليجية، في معاداة صريحة مع ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، الذي أحدث نقلة عظيمة  في المملكة، وتغييرات إيجابية كثيرة، ولكن القوة الشاملة والوزن النسبي العظيم للسعودية، التي لا تستطيع أي عين مراقبة أن تتجاهلها في أن تضع الإدارة الديمقراطية الأمريكية في موقف صعب، بل لدرجة أنه مؤخرا وبسبب وتوجه الرياض شرقا نحو الصين وروسيا، وهو ذكاء سياسي يحسب لكل من الأمير محمد بن سلمان، وكذلك لرئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وضع الإدارة الأمريكية، وتحديدا الديمقراطية، في وضعا تحسد عليها، حيث فشلت كل ضغوط الأمريكيين في زيادة حصة السعودية والإمارات من سوق النفط العالمي، لتعويض موارد الطاقة الروسية، التي انقطعت عن الأسواق العالمية عامة، والسوق الأوربية خاصة، التي تمولها روسيا بمصادر الطاقة والغاز الطبيعي لنحو 60% من احتياجاته، ومهما فعلت قطر لتعويض النقص فهي أصغر من أن تكفي احتياجات السوق العالمي من الطاقة والغاز الطبيعي.

أكدت السعودية، وهي لديها مقومات القوة الشاملة في ذلك، أن استمرار عدم رشادة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والمملكة يمكن أن يرتب نتائج وخيمة علي الاقتصاد والمجتمع الأمريكي، لأن السعودية إذا فكت الارتباط بين أسعار الطاقة في الأسواق العالمية والدولار الأمريكي، بحيث تستخدم عملة أخري في ابرام الصفقات، سيمثل هذا ضربة قاسمة للدولار الأمريكي، الذي يعتبر عملة الاقتصاد العالمي، في ظل التقارب السعودي الصيني الروسي، خاصة وأن روسيا نفسها ما تصدره للأسواق العالمية، قامت بربطه بعملتها المحلية الروبل والصين باليوان. الغريب في الأمر أن الاقتصاد الأمريكي يعاني كثيرا، لكن العملة الروسية، الروبل، تشهد فترة انتعاش نتيجة فشل الإدارة الأمريكية في إدارة الأزمة الروسية الأوكرانية.

الصين وروسيا تهللتا بالتقارب مع الرياض لأن هذا يمثل تدفق للاستثمارات السعودية لكل منهما، فضلا عن أن التنسيق بين الرياض وبيكين وموسكو سيحقق الكثير من المزايا النسبية لكل من الدول الثلاث في مواجهة الغطرسة الأمريكية، التي انكشفت مؤخرا أنها لم تعد شرطي أو رجل الأمن المؤثر في النظام العالمي الحالي، وهو ما ينم عن امكانية التحول لنظام عالمي جديد، يصمت الإعلام الأمريكي كلية عن الحديث عنه.

من الغريب أن حلف الناتو "شمال الأطلنطي" في ظل القرن الحادي والعشرين، لا يوضح ما الهدف من تهديد الاستقرار العالمي، وما الذي سيكسبه الغرب من انضمام أوكرانيا ثم فنلندا والسويد للحلف، خاصة وأن هذا يثير حفيظة قوة عسكرية لديها القدرة علي الردع النووي، بل وتدمير العالم وهي روسيا الاتحادية، إلا إذا كانت قادت حلف الناتو لديها أسبابها ومبرراتها، التي لا تريد  الافصاح عنها من تقاري شرقي بين الصين وروسيا يمكن أن يمثل تهديدا للنظام العالمي القائم بقيادة الولايات المتحدة ودعم أوروبا الغربية "الاتحاد الأوروبي"، وهذا الأقرب للواقع، خاصة وأن الكل يعلم أن روسيا لن تصمت علي تهديد أمنها القومي، وأن الولايات المتحدة تمر بواحدة من أسوء فترات قيادتها وتأثيرها علي النظام العالمي السياسي والاقتصادي. 

قد يطول أمد الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن هذه سيدمر الكثير في أوكرانيا من بنية أساسية ومقومات اقتصادية يؤثر بالسلب عن النظام الاقتصادي الغذائي والطاقة عالميا، ويتأثر العالم كله سلبا، بما في هذا الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي التي تعاني حاليا شأنها شأن بقية دول العالم في الجنوب والشرق من ارتفاع معدلات التضخم والأسعار، وانفلات السيطرة علي الأسعار في أسواق المواد الغذائية والطاقة، التي وصل البنزين والغاز فيه لأسعار خيالية، يشعر فيها المواطن الغربي في أمريكا وكندا وأوروبا الغربية بالاستياء من أداء حكوماته السياسية في النظام العالمي، في حين أن دول الخليج والصين وروسيا لا تعاني من نفس التداعيات.

ولا تزال تطورات الأحداث مستمرة.......

عبد المسيح يوسف - مونتريال

عضو نقابة الصحفيين المصريين