عبد المسيح يوسف يكتب: الهيمنة الأمريكية علي النظام العالمي يحددها الصين وروسيا ودول أخري (2)
مع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وانهيار الإمبراطورية البريطانية، التي لا تغيب عنها الشمس، لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتي الآن، ومن يقوم بصياغة الرأي العام العالمي في مجمله، الإعلام الأمريكي، الذي اكتشف العالم في الجنوب والشرق، في السنوات العشرين الأخيرة، مدى زيفه، بمعني أنه عندما ينشر الديمقراطية أو الليبرالية فهو يدافع عن مصالح أمريكية ضيقة في مواجهة بقية الدول. وحالات عديدة كشفت زيف الإعلام الأمريكي، منها تبرير الحرب الأمريكية علي العراقية، والدفاع المستميت لهذا الإعلام عن إسرائيل، وعن الدولة الإسلامية داعش، التي في جزء كبير منها بدعم سياسي ولوجستي أمريكي وتمويل قطري الظهير الخلفي للأمريكان.
ومع مرور السنوات، وتركيز الإعلام الأمريكي، علي نظريات ومقولات الفلاسفة الأمريكان حول الهيمنة الأمريكية، حان الوقت لكي يصحو الرأي العام العالمي من الهيمنة المغرضة والمؤثرة للإعلام الأمريكي، خاصة مع مرحلة الفوضي التي نشرها الديمقراطيون في الشرق الأوسط العربي، فيما اطلقوا عليه بثورات الربيع العربي، ولكنها كانت فوضي تغرض لهيمنة القوى الإسلامية علي نظم الحكم في الدول العربية والشرق أوسطية، بتحالف أمريكي مغرض.
اكتشفت الشعوب مدي زيف الإدارة الأمريكية، الساعية والراغبة في نشر الفوضى في مناطق إقليمية، لتنشغل شعوب وحكام هذه المناطق بعدم الاستقرار. إلا أن التطورات الأخيرة جعلت الثقة في الإدارة الأمريكية منعدمة، وزادت من كراهية غالبية الشعوب للولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد أن كانت هناك أقاليم حليفة بصورة استراتيجية للولايات المتحدة، خرجت هذه الأقاليم ودولها من عباءة الإدارة الأمريكية، بعد أن مثلت الصين وروسيا الاتحادية البديل الموضوعي في النظام العالمي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
حاولت أمريكا مرارا وتكرارا كسر روسيا الاتحادية، ولكنها كانت تفشل دائما، تحت دعوى انهاك القوة الشاملة لروسيا سواء في حربها في أفغانستان، أو حتي في حربها في أوكرانيا، والولايات المتحدة تعلم جيدا أن روسيا حتى لا طال أمد الحرب، لن تنهك قواها الشاملة ممثلة تعتقد الإدارة الأمريكية، التي تعاني نخبها الحاكمة من الشيخوخة والتبلد السياسي وعدم التعلم. وتتجاهل أي تضحيات يدفع ثمنها الأبرياء من المدنيين في أوكرانيا أو غيرها من المناطق في العراق وسوريا وليبيا واليمن، حيث كانت المؤامرات الأمريكية مع الإسلاميين السبب الرئيسي في انتشار موجات اللاجئين من الأبرياء في مختلف دول العالم.
التحالف الصيني الروسي، يمثل صداعا فظيعا في رأس الإدارة الأمريكية، وهي غير قادرة علي مواجهته بصورة مباشرة، لكل كل القوى نووية، ويمثل هذا نهاية للبشرية علي الأرض، ولذا تتبع الإدارة الأمريكية سياسة التحريض للدول المجاورة أو المحازية للصين وروسيا لاستفزاز موسكو وبيكين.
من المهم أن تبدأ مختلف الدول في تناول وجهات نظر المحللين والمنظرين في الإعلام الروسي والصيني، شأن الاهتمام بما ينشر في الإعلام الأمريكي، لأن واشنطن لم تعد المسير الوحيد للنظام العالمي علي مختلف مستوياته. من الطبيعي أنه في تطور الدول والحضارات، أن تصل هذه الحضارة إلي نقطة النضح الأعلي، وبعدها تبدأ في الانهيار، وأمريكا منذ عدة سنوات وهي تعاني من فقدان ثقة شركاءها وحلفاءها التقليديين فيها سواء دول الخليج أو آسيا أو الدول العربية الشرق أوسطية، ولم يعد واضحا للعيان في السنوات الأخيرة، من هي الدول الحليفة الواثقة في تحالفها مع أمريكا باستثناء قطر، فحتي تركيا حظيرة الناتو وأمريكا، كثيرا ما ذهب أردوغان طالبا رضاء الدب الروسي فلاديمير بوتين.
من المهم الاهتمام وتحليل ما ينشر في الإعلام الصيني والروسي السنوات القادمة بجانب الإعلام الأمريكي، خاصة وأن روسيا والصين مصمتان كذلك علي أن يكون لهما الدور الفعال في النظام العالمي، حتي لو كانت تكلفته ثمنها الصدام مع واشنطن، التي اثبتت المواقف الدولة، والصراعات والنزاعات الإقليمية، أنها أجبن من أن تدخل مباشرة في صراع مع الصين أو روسيا، لأن هذا سيقود لحرب عالمية ثالثة، وتكتفي واشنطن بتأليب دول ثالثة، للقيام بحروب الوكالة نيابة عنها.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه الإعلام الأمريكي المغرض عن مدي ذكاء وعبقرية الإدارة الأمريكية، التي تعاني الشيخوخة والتبلد، في انهاك قوى روسيا في حرب طويلة الأمد في أوكرانيا شأن أفغانستان، يتجاهلون تمام أوضاع المدنيين الأبرياء من الأوكرانيين، الذين تدمرت حياتهم، وأصبحت هناك مدن أوكرانية، أشبه بمدن الأشباح، وبعد أن كانوا يعيشون بكرامة وعزة في دولة تمثل سلة الغذاء العالمي من الحبوب، أصبحوا عبارة عن مجموعة من اللاجئين ينتشرون في دول أوربا الشرقية والغربية وكندا، وهو يدفعون أثمان تبلد وشيخوخة الإدارة الأمريكية الأنانية التي لا تبحث إلا عن مصالحها الضيقة، حتي لو كان ذلك علي حساب استقرار وأمان حياة المدنيين الأبرياء، دون تحقيق النتائج، التي يصدعنا ويحاول أو يوهمنا بها الإعلام الأمريكي، الذي اكتشف الكثير زيفه وتزييفه للحقائق.