جورج موسي يكتب: دق جرس الهاتف فقالوا لها طلقوكي من زوجك رغماً عنكي ورغماً عنه!
في ذلك اليوم كانت تجلس في منزلها هادئة ولا تكترث كثيراً بتلك القضية المرفوعة في المحكمة، كان عقلها لا يقبل مجرد التفكير في الأمر، كيف سيفعلون هذا بها وهي أستاذة في الجامعة وزوجها كذلك، يقيناً هي زوبعة في فنجان وهذا العبد الصبور الذي رفع القضية لأنه يحمل ضغينة لزوجها ويريد عمل ضجة إعلامية لا أكثر! ويقيناً هذا العبث غير قابل للتطبيق!
كان السكون يخيم على المكان سكوناً حزيناً كئيباً بما يجري حولها، سكون الصمت الذي يحمل من التساؤلات أكثر ما يحمل من إجابات، وفجأة يدق جرس الهاتف فيقطع هذا السكون الحزين، في هدوء ترد علي الهاتف فيلقي المتصل وهو صديق صحفي في وجهها بكرة مشتعلة من النار تشتعل دون هوادة في صدرها وفي عقلها وفي وجدانها حين يقول لها صدر حكم المحكمة اليوم وتم تطليقك من زوجك رغماً عنكي ورغماً عنه!
ألقت بجسدها النحيل على أقرب كرسي وتنهدت تهنيدة تحمل كل تاريخ قهر النساء منذ بداية الخليقة إلي يومها المشؤوم هذا! تدحرجت دمعة على خديها لم تستطع أن تمنعها من السقوط من مقلتيها وهي القوية التي لم يراها أحدهم تبكي من قبل، كانت تشعر أن ما يحدث من عبث لا يمكن وأن يكون حقيقة وأنه لابد وأنها تعيش رواية من الخيال المريض! أما هو فنظر إليها وعلم ما في الأمر وتدحرجت الدموع من مقلتيه رغم رفض رجولته هذه الدموع ولكنه بكي هوانه وهوان زوجته علي وطنه ومجتمعه بهذا الشكل.
رفض عقله ما يحدث فكان يشعر أن ما يحدث لا يمكن أن يكون حقيقة ولو حقيقة فهو يقيناً يحدث لآخر وليس له، أما هي فابتسمت له وطمأنته والتقطت أصابعه بأصابعها فاحتوت يدها الصغيرة يده الكبيرة ثم نظرت في عينيه الحائرتين وقالت: لا تنزعج لن أتركك مهما حدث! لن يفرقنا سوي الموت!
صرخت وخرجت على الجميع تقول هذا زوجي وأنا أعرفه ولن يفرقني عنه سوي الموت، أنا أستاذة في الجامعة وهو أستاذ في الجامعة وتريدون تطليقي منه رغماً عني ورغماً عنه لأنكم على خلاف فكري معه فأردتم معاقبته فجاء قراركم بسحب أداة المتعة منه وترونني هذه الأداة! لست أداة متعة ولن أكون! أنا أنسان كامل الأهلية حرة الفكر والإرادة ولي كيان ولي مكانة ولي قرار ولا يمكن أن يحدد قراري غيري هل هنت إلي هذه الدرجة!
أما هو فكان يقرأ حكم القاضي بتطليقه من زوجته رغماً عنه ورغماً عنها في حزن شديد لدرجة أنه شعر أن من كتب هذا الحكم يبول في عقله على حد قوله! في النهاية رحل الرجل وزوجته إلى بلاد تحترم الأنسان والفكر والحرية وتحترم المرأة ولكنه أبداً لم ينسي ما تعرضت له زوجته من امتهان في وطنه ولم يرد أحد تلك الإهانة!
في ذكري المفكر العظيم دكتور نصر حامد أبو زيد لروحه السلام وألف تحية لدكتورة ابتهال يونس تلك المرأة التي قالت لا لمجتمع أعتاد قهر النساء!
[caption id="attachment_7783" align="aligncenter" width="300"] نصر حامد أبو زيد[/caption]