A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

مينا ماهر يكتب: رواية كلمتين في حب مصر ( ١٢)

مقدمة: كتبت هذه الرواية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك و انتهيت منها قبل ثورة ٢٥ يناير بأسبوع! 

المذيع هادي ابو الخير يقدم برنامجه الإذاعي "كلمتين فى حب مصر" وتلقى مداخلة من الدكتور المهاجر رامز المصري مشجعاً للهجرة و راوياً له عن والدته أم دنيا الخادمة (و الأرستقراطية الأصل) التي باعته هو و إخوته و هم أطفال، و تشتتوا في الأرض؛ و كيف كان قرار زيارته لمصر يتأثر بالاحداث السياسية والاجتماعية التي تزامنت مع موعد زيارته! فقد كانت تنعكس هذه الأحداث سلبياً بشكل غير مباشر عليه و على أخوته من بينهم خليل المصري الذي مات في عبارة السلام و هو عائد إلى مصر و قبلت امه ببساطة التعويض المالي المتواضع من الحكومة وهي شاكرة، ممنونة! فعلم رامز بالخبر و هم بالاتصال بها هاتفياً كي يعاتبها!    

حلقة ١٢:

لم تجب ام دنيا الهاتف بسرعة مما أغضبه أكثر، و لكنها ما لبثت أخيرًا أن التقطت محمولها و اجابته:

- الو..

- إيه الكلام الفاضي اللي قلتيه في التلفزيون دا؟ ...أنتِ إيه... ما بتحسيش؟...دا بدل ماتقوليلهم تغوروا بفلوسكم... و هاتوا له حقه من اللي قتلوه و هربوا...هو دا مش ابنك اللي مات... وكمان بيضحكوا علينا بقرشين عبط...ولعيبة الكورة في  الدورة الأفريقية قبضوا ملايين..عشان بيجروا ورا حتة كاوتش!

ارتاعت عواطف من حدة الاسلوب فسألت:

- مين معايا؟!

- معاكِ ابنك رامز...يا ترى فاكراني ولاّ؟...ولا أنتِ…

استعادت ام دنيا ثقتها بنفسها بعد أن أدركت من هو فقاطعته ببرود:

- اسمع بقى  يا سيد امك...كل واحد بياخد علي قد قيمته... واخوك  نفسه الله يرحمه ماشفش في حياته ١٠٠٠٠ جنيه على بعض…فلما يتعوض بـ ٣٠٠٠٠ جنيه يبقى نحط جزمة في بقنا و نسكت!...سعيكم مشكور يابني. 

أغلقت ام دنيا الخط  بكل وقاحة في وجه ابنها الذي ظل متجهما من منطق الحوار! فهي امرأة لم تغيرها الأيام إلا للأسوأ! أما بالنسبة لموقف رامز من تعويضات الدولة، فحياة أخيه و بقية الضحايا من وجهة نظره لا تقدر بمال! أما في عرف تقديرات الدولة: فإن صرف ٣٠٠٠٠ جنيه فعلياً  لكل عائلة من عائلات الغرقى، ليكون إجمالي المبلغ المنفق تقريباً ٣٠٠٠٠٠٠٠ جنيه للالف عائلة، هو مبلغ سخي جدا بالمقارنة بالثلاثة ملايين المهداة إلى المنتخب المصري!  ولكن ما قد يؤخذ على الدولة هو عدم الاكتراث المعنوي بخليل وغيره من ضحايا العبارة، فاستمرت في احتفالاتها بكاس افريقيا و لم تتوقف حداداً يوماً واحداً على الأقل تعبيراً عن أسفها لما حدث! فاحيانا المشاركة الوجدانية تكون افضل بكثير جداً من المعونات المالية. رحمك الله يا خليل، فقد كتب عليك أن تحيا و ترحل بلا آدمية وبلا مأوى! و ها قد فرحت البلاد بكأس الأمم الافريقية، و تاه صراخ و نحيب الأهالي على أولادهم بين ضحكات الفرح وابتهاجات نشوة الفوز!

***

بعد ما سمع هادي  ابو الخير ما جرى لخليل، قرر (كما عودنا حينما يعجز عن الرد) ان يشاركنا بمداخلة قائلاً:  

- معلش يا دكتور رامز فيه مداخلة تانية...من عادل عصمت...استاذ عادل...أتفضل سامعينك.

بطبقة صوت عالية و نبرة حادة متحفزة تكلم عادل عصمت و قال:

- أنا كل اللي عايز اقوله. للاستاذ رامز...عيب! عيب التشهير بسمعتنا، وعرض مشاكلنا علي الهوا بالشكل دا...حرام عليك.. كفاية كدة... مين المستفيد؟ عايز افهم...

فرد عليه رامز متسائلاً:

- أنا لا شهرت ولا الفت حاجة من عندي... أنا باتكلم عن حقائق تخص عائلتي...إيه اللي مضايق  حضرتك مش فاهم؟ 

- لما حضرتك تحب تعرض حقائق وانت عارف ان ملايين الناس بتسمعها يبقي اسمه تشهير 

- والله أنا مش شايف انه تشهير...لان التشهير بيبقي هدفه الوحيد هو التشهير بس، بس انا هدفي التنوير!..مش احسن ما اقعد أفرز في مشاكل بلاد تانية ...ومشاكلنا إحنا نطنشها؟!

- لا حول ولا قوة الا بالله...حسبي الله ونعمة الوكيل...

أمر هادي سريعا بإنهاء الحوار مع عادل من على الهواء، حيث أنه كان على وشك ان يتشعب إلى قضايا جانبية لا علاقة لها ببرنامجه وقال:

- معلش يا حج عادل...امسحها فينا...ومتشكرين جدا على المداخلة !...و احب افكر السادة المستمعين ان من حق اي حد يقول اللي هو عايزه طالما ما بيجرّحش في حد...كمل يا دكتور رامز...اتفضل...

***

مازلنا في عام ٢٠٠٦، في اوائل شهر مايو، حين طُلبت ام دنيا في قسم الشرطة و سُئلت: 

- تعرفي مين دا يا عواطف؟..

أراها المحقق صورة فوتوغرافية لشخص ما، فاجابت بسرعة:

- مين دا يا سعادة البيه؟!

- أنا اللي باسألك!

- ماعرفوش يا بيه!

- طب بصيله كويس...

دققت ام دنيا النظر و قالت يائسة: 

- ماعرفوش و الله...

- ماتعرفيش ابنك؟!

- يا بيه أنا عندي عيال كتير، و معظمهم سابوني وهم لسه صغيريين...فلا موآخذة الشكل ممكن ما يعلمش معايا... بس قوللي اسماء وانا خدامتك!

- ماشي يا عواطف...حاعديها بمزاجي ...اسمه مصطفى ... مصطفى عبده المصري...

- مصطفى! ينيّله... وماله عمل فروحه كده ليه...؟

- ابنك كان بيعمل ايه في أسيوط يا عواطف؟ 

ان مصطفى هو الابن الثالث من حيث الترتيب. كان يتصف ببشاشة الوجه التي تخفي تحتها عالماً مخيفاً. اختلف عن بقية إخوته بأنه عدواني النزعة، حاد المزاج منذ الصغر، وموهوب في التخفي وراء قناع سماحته الربانية. كان طفلاً شقيا جداً؛ اضطر والداه أن يخرجاه من المدرسة في مرحلة رياض الأطفال حين تم طرده منها عدة مرات لشغبه المفرط. بعدها تعرف مصطفى على أحد الشيوخ، وقد استنبط فيه موهبة الجاذبية، حين كان يبيع فلاً في إشارات المرور مع أصدقائه قبل أن يبلغ السادسة من عمره وهي مهنة بديلة للدراسة ومن خلالها عرف الشيخ عنه الكثير: من ابوه، من امه، اين يسكن...الخ.

عقب أحداث موت والده، عندما تم السادسة، كان يجلس في غرفته ليلاً وحيداً، مستمتعاً بحركاته الصبيانية العنيفة والتي ينتج عنها إتلاف للحائط او تقطيع مرتبة فراشه، وما كان له رادع بالطبع.

 و في يومٍ نادت عليه امه وهو في غرفته:

- تعال يا مصطفي...

خرج إليها بفضول، فأشارت إلى رجل كان بجانبها مزمعاً أن يشتريه وقالت:

- سلم على عمك الشيخ موافي

فنظر اليه مصطفى و اذ به الشيخ صديقه، الذي  ما لبث ان بادره بغمزة متوارية حتى لا يظهر مصطفى معرفته به في لحظة انفعال؛ فحياه الشيخ محاولا إخفاء رد فعل مصطفى:

- اهلا يا مصطفى ...ما شاء الله عليك!

و بالفعل أخذه الشيخ يومها ليعيش معه، و قام بإلغاء كل ما تعلمه مصطفى قبلاً ليستبدله بأفكار جديدة و تعاليم مختلفة؛ علمه القراءة والكتابة بمناهج خاصة غير متعارف عليها؛ لقنه كيف و متى يكره ويحب، مستندا إلى مراجع و كتب خاصة؛ جعله ينسى ماضيه تماماً ، ليدرك حتماً من سيكون غداً! و ها هو مصطفى يستل سيفه في اوائل مايو ٢٠٠٦، على وشك ان يقتحم إحدى كنائس أسيوط. و قد تبدو كلمة اقتحام صعبة (بل صعبة جداً)، ولكن في حقيقة الأمر هي أسهل بكثير مما نتخيل؛ فالكنائس في مصر -رغم الحراسة الدائمة- مفتوحة لكل من هب ودب! أمر لا يستدعي الاقتحام! فما هو دور الحراسة إذن؟ هي فقط لحفظ ماء الوجه! فحارس الشرطة (أو العسكري بالعامية) عادة شخص بسيط  ومسالم من الارياف. لا سلطة له على أحد، كبير كان او صغير. فهو غير مؤهل اجتماعياً أن يدافع عن نفسه حتى بسلاحه المحمول؛ فهو في الحقيقة فارغ من الذخيرة! و على هذا فالحارس قد يرتبك ان عنفته او صرخت في وجه. اما اقتحام مصطفى للكنيسة كان دون مبالغة أكثر سهولة مما تم ذكره! فسرعان ما اخرج السيف من تحت عباءته حتى فر العسكري دون تردد، فدخل مصطفى بوابة الكنيسة بكامل الحرية ملوحا بالسيف يمينا ويساراً متأهباً أن يصيب أحداً!  لكن العجيب انه هو الذي أصيب! فقد دخلت الكنيسة خلفه مباشرة سيارة بالصدفة، رأى سائقها مصطفى يلوح بسيفه فصدمه عمداً راميةً اياه ارضاً بلا وعي؛ فتمت السيطرة على الاقتحام قبل أن يبدأ، وقبض على مصطفى الذي لم يصب إلا بكدمة بسيطة. و بدأت التحقيقات وهكذا تم استدعاء عواطف التي ارتبكت حين ووجهت بالخبر و قالت للضابط: 

- و المطلوب ايه يا بيه؟

- بصي يا ست عواطف...الحوادث الطائفية اللي زي دي...ممكن تجيبلنا و تجيب لك صداع ما لوش لازمة...و زي ما اتصرفنا في القضايا اللي فاتت...حانتصرف في دي كمان... علشان انت ست طيبة...

- كتر خيرك يا سعادة الباشا...بس أنا مش فاهمة...ايه المطلوب؟!

- شوفي...الحادثة دي حصلت و خلصت قبل ما تحصل مصايب...و الحمد لله الصحافة مالحقتش تعرف...فإحنا حنكفي  على الخبر ماجور...و الناس اللي شافوا اللي حصل...أخدوا اوامر بالسكوت...مش باقي غير حاجة صغيرة  عشان نأمن نفسينا!

- اللي هي ايه؟

صمت الظابط لبرهه ثم اخرج ورقة وقلما من درج المكتب و وضعهما امام ام دنيا بلطف وقال:

- ابنك بقاله قد ايه مختل عقلياً يا عواطف؟!

يتبع في الحلقة التالية من العدد القادم