زينب علي البحراني تكتب: انتبهوا لعافيتكم العقلية
لكل مخلوق حكاية صراعه الخاصة مع ظروف حياته منذ بدء الخليقة، ولكل حكاية انعكاساتها على مشاعره الداخلية التي قد تُساهم في إنضاجه أو تُدمره تمامًا حين تخور قواه أمام تلك الأوقات الصعبة والمواقف العصيبة، ومع تطور تعقيدات الحياة على الأرض تطورت معها مصاعب الإنسان وغدت أشد تعقيدًا، فصار أكثر احتياجًا لمراعاة صحته العقلية والنفسية والاهتمام بمشاعره من ذي قبل، ولعل من أبرز المشكلات في عصرنا الحاضر – ولا سيما في عالمنا العربي- مشكلة الاستهتار بمشاعر الإنسان وانعدام المُبالاة بتراكم الضغوط والمعاناة عليه بما يفوق طاقته النفسية وقدرته على التحمل، وبهذا تتحول تلك المشاعر إلى ما يُشبه لغم مدفون قابل للانفجار في صورة جنون أو عُنف أو جريمة.
مع صعود الطبقات الأدنى من المجتمع إلى أعلاه خلال السنوات الأخيرة صار المجتمع بحاجة إلى رفع مستوى توعية الناس - لا سيما عبر وسائل الإعلام المختلفة- بأهمية العافية النفسية لبناء مُجتمع صالح للعيش فيه بسلام، فهؤلاء الناس من بيئات اعتادت اعتبار الأذى النفسي "نمط حياة"، ضرب الأطفال وتعنيف النساء مسائل عادية والمعاناة النفسية للفرد لا قيمة لها، لقد صعدوا بأسرع مما ينبغي عندما فتحت لهم مواقع التواصل الاجتماعي أبوابها على مصاريعها وهيأ لهم التعليم المجاني فرصة دخول كُليَّات جامعية مقابل حفظ الدروس المدرسية عن ظهر قلب وإحراز درجات علية بصبّ ما حفظوه صبًا على أوراق الامتحانات كالروبوتات، فيتخرجون من جامعاتهم دون ثقافة أو مشاعر متطورة، وبنفس الشخصيات التي تربت على احتقار الكيان الإنساني وعدم الوعي الحقيقي باحتياجاته وأهميتها وطريقة التعامل معها، لذا لا بد من "إعادة برمجة" عبر التكرار الإعلامي المتنوع لبناء شخصيات سوية تنظر إلى العالم نظرة مُغايرة عن النظرة التي ترعرعت عليها، لأن ترك "المقادير تجري في أعنَّتها" بهذه الصورة العشوائية لن يؤدي إلى ما تُحمد عُقباه، وسيتفسَّخ المجتمع عن كائنات مشوهة نفسيًا عاجزة عن إيجاد حلول لمشكلاتها فضلاً عن مُشكلات المُقربين منها.
غن مشاعر الإنسان وتقلُّباتها ليست من الأمور التي يُمكن الاستهانة بها، لأن تلك المشاعر من أهم أسباب دوافع أفعال الإنسان وخُططه وخياراته خلال حياته، ومن المؤسف أن يؤدي التخلف في بعض المُجتمعات إلى التعامل مع مشاعر الإنسان بذات التخلف الذي يتعاملون به مع حيوانات الشارع المُتشردة، يسخرون منها ويركلونها ويضربونها ويدوسونها ويقذفونها بالأحجار أو يقتلونها دونما رحمة! ما نوع الإنسان "الزومبي" الذي يعيش في بيئة كهذه وما مستوى صحته النفسية والعقلية تحت كل هذا الأذى أو التجاهُل وانعدام الاهتمام في أفضل الظروف؟!
قد يكون التيار المُجتمعي الخارجي أقوى منك، لكن يظل بوسعك محاولة حماية عقلك وروحك كفرد حين تبحث وتقرأ وتسعى لتعلُّم كافة السبُل القادرة على مُساعدتك، حاول إنقاذ نفسك تتمكن بعدها من إنقاذ المحيطين بك ممن يحتاجون ذلك ويسمحون به.