زينب على البحراني تكتب: ورَحَلَت الملكةُ الأسطوريَّة
لم تكُن الملكة "إليزابِث الثانية" مُجرَّد حاكمةٍ لواحدة من أعظم ممالك الأرض على مر القرون؛ بل كانت بالنسبة لكثيرين وكثيرات تُعتبر أيقونةً من عالم الأساطير الساحرة والحكايات الخرافيَّة الآسرة، صورةٌ من عالم الخيال تسيرُ وتتنفس وتأمر وتنهى وتكتب الرسائل المُنمقة بخط اليد وتُرسل البطاقات البريدية الأنيقة وتعيش في غُرف القِلاع العريقة على أرض الواقع لتكون مالئة الدنيا وشاغلة قلوب الناس وعقولهم.
جانبٌ كبيرٌ من هالة السحر التاريخي المُحيطة بها سببه كونها "ملِكة" المرأة وليست رجُلاً في عالمٍ يندر فيه وجود الملِكات المؤثرات، ملكةٌ بكل تلك الثروة التاريخية والمالية والمعنويَّة التي يصعُب أن ينافسها عليها حاكمٌ آخر فضلاً عن امرأةٍ أُخرى، بصمةٌ من بصمات الزمن الجميل على وجه هذا الكوكب دون أن تتخلى عن تفاصيل ذاك الزمن وكبريائِه وطُغيان هيبته.
الملكةُ التي كانت مُشاركةً باسلة بين الجنود وقائدة شاحنة وميكانيكية سيارات في الحرب العالمية الثانية، ثم شابةٌ مُغرمة تُعلق صورة حبيبها الذي صار زوجها فيما بعد على جُدران غرفتها، ثم كانت قصة الحُب المُبهِرة التي عاشها عمّها مع امرأةٍ أمريكية ليتنازل طوعًا لأخيه عن العرش في سبيل حُبه الكبير، فترث العرش عن والدها في سن الخامسة والعشرين وتحكم مملكة مُترامية الأطراف على مدى 70 عامًا لتكون فترة حُكمها بمثابة تذكيرٍ للعالم بحكاية عمها الرومانسية التي يندر أن تتكرر لا سيما في عصرنا الحاضِر، ورغم توالي الأحداث المؤسفة في هذا العالم ظلَّت تؤدي واجباتها الملكيَّة بشجاعة وإتقان دون أن تستسلم أو تتنازل.
لقد كانت عقود حُكمها شاهِدة على مدى عظمة المملكة التي وهَبَت ثقتها الكامِلة بامرأةٍ شابَّة لتعتلي العرش، وعلى مدى عظمة تلك الملكة التي سعت لتحقيق عدد هائل من المُعادلات المُعقدة كي تبقى أهلاً لتلك الثقة الشعبيَّة حتى آخر يومٍ في حياتها.
ثمة جانبٌ آخر لشعبية الملكة الخالدة وهو كونها مثلاً أعلى لكثير من النساء حول العالم، فهي – بالنسبة لهُن- البطلةُ الخارقة التي عاشت 96 عامًا، وحكمت منها 70 عامًا بقوَّة دون أن يقهرها مخلوق، أدت واجباتها كزوجة وأُم وشخصية عامَّة وسيدة مُجتمع من الطراز الرفيع بنجاحٍ مُبهر إضافة إلى واجباتها الوطنية والخيرية ومهامِّها السياسية والدبلوماسية في عالمٍ مازال يعتبر الناس عاجزات قليلات القيمة والحيلة وربما "ناقصاتُ عقل"! قاهِرة الرجال والوحوش والغربان وكُل أعداء النساء بحضورها الاستثنائي الذي كانت ملايين آلاف النساء يتمنين استمراره ببقائها على قيد الحياة مائتين وخمسين عامًا على الأقل إلى أن يحين دور إحدى حفيداتها لاستلام مكانها، لكن جاء خبر رحيلها ليُجهِز على تلك الآمال العريضة ويُبددها فلا يبقى منها غير سيرة الملكة بين سطور كتب التاريخ الرصينة.