نعمات موافي تكتب: يا أبو الغضب أرفع غضبك عنا
بقلم: نعمات موافي
قالت لي صديقتي، يا اخواتي ابني كَبر وعايز يقومني ...لا وايه بينتقدنى.. بيقولي أنا بحب كل حاجه فيكي لأنك أحلى أم في الدنيا وبحترم كلامك جداً وكتير بيرن داخلي، لكن لا أستطيع أن أحتمل غضبك وثورتك وساعات بكرهك لما بتغضبي... وبينما تتحدث صديقتي، فجأة نط في ذهني سؤال .. هو صحيح ربنا بيغضب؟
ظل السؤال يطاردني كظلي فى يوم شمس لا ظل فيه.. حتى خلوت مع نفسي وهنا بدا لي سؤال آخر، ولكن الله سبحانه وتعالى سرمدي أبدى وهو الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ.. أى ثابت منذ الأزل وإلى الأبد، فكيف يغضب؟ .. الغضب هو قمة التغير من حالة الهدوء والصلاح والسكينة واللطف إلى ثورة الهياجان وعدم التحكم فى المشاعر!!
وكثيراً ما كنت أسمع من يقول أن فلان ربنا غضبان عليه ونزل عليه جامات غضبه، وهناك من يقول لله، أرفع غضبك عني ..يارب أرحمنا.... وينصحك من حولك قائلين .. أياك تغضب ربنا، وأتقي غضب الله الأتي على الأشرار..
طيب هو ربنا فعلاً ثابت ولا متغير؟ .. هل هو بيخرج عن شعورة وينزل تلطيش في من يعصاه، وقاعد للناس بالمرصاد.. وياويله يا ظلام ليله إللى بيغضب ربنا..... عشرات الأسئلة .. وكان لازم افرمل ذهني عن أطروحاته المنطقية، حتى يتسنى لى التفكير الهادي من خلال روحي المملوءة بصورة الرحمن.. وسألتني روحي، متى تغضبين يا سيدتي؟
قلت لها، عندما أفقد القدرة والسيطرة على نفسي فى المواقف التى لا يتقبلها ذهني أو كرامتي .. أو عندما يتكرر الغلط أمامي..
قالت يعني بتغضبي على نفسك أو على غيرك لما بتفقدي القدرة على التغيير والتصحيح والتحكم فى نفسك .. ولكن فكرك الله يغضب غضبنا؟ وهو من قال "اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيظكُمْ؟ وعلى رأى المثال، "اَلْجَوَابُ اللَّيِّنُ يَصْرِفُ الْغَضَبَ، وَالْكَلاَمُ الْمُوجعُ يُهَيِّجُ السَّخَطَ."...
غضب الله هو تعبير شعبي دارج بسيط الغرض من استعماله تقويمنا وتوجيه أنظارنا للعودة للصورة الإلهية "صورة الرحمن التى جبلنا عليها وخلقنا فيها"، فهو لا يثور ولا يتغير ولا يعود يذكر آثامنا وخطايانا التى طرحها ببحر النسيان فيما بعد، فهو الغفور الرحيم.
وغضبه هو لفت أنظارنا و تذكيرنا بمحبته وصورته التى وضعها فينا، حتى تأن أحشائنا ونصحح مسارنا ونجدد أذهاننا ونغتسل من أوزارنا وهو ما نسميه "التوبة" ومعناها باللغة اليونانية Metanoia – μετάνοια – ميتانويا أو مطانيا .. وهى تعني العودة للتعقل وتغير تحولي للقلب. وليس لها علاقة بالسجود أو الانحناء كوسيلة للتعبير عن الأحترام لأحد أو لها أي علاقة وأنا كل ما أقول التوبة يا أبوى ترميني المقادير يا عين.... وهى تشبه كتب التعليم حينما يضع لك الأسئلة على المواضيع التعليمية ويضع لها الجواب في آخر الكتاب، حتى تراجع إجاباتك و تصحح مفاهيمك على الأجابات النموذجية الموضوعة فى آخر الكتاب.
وحتى لا يكون شكلنا وصورتنا متغيرة عن صورة الرحمن علينا أن نراجع أنفسنا على شبه وصورة الرحمن ونجدد أذهاننا لنعود إلى الصورة الإلهية أى إلى انسانيتنا لنحيا فى ظل القدير وفى ستره نحيا ونختبر إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ لحياتنا.. لذلك فأننا لا تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِ الله ونستبيح مستغلين إِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمينٍ أَنَّ لُطْفه إِنَّمَا يَقْتَادُنا إِلَى التَّوْبَةِ .. والعودة للصورة الألهية وتفعيل الجين الإلهي فى أرواحنا.. لننمو ونزداد فى القامة والرفعة والمعرفة.
فتعالوا نغضب هذا النوع من الغضب الإلهي الذي يقودنا للتوبة، أى نثور ونتمرد على كل ما يشوه فينا صورة الإنسانية، صورة الرحمن الجميلة فينا وقارنين أرواحنا بها حتى نحياها ونحيا فى ملء الفرح والمحبة السلام مع الله ومع أنفسنا ومع من حولنا.
دمتم في النعمات وأعظم البركات في ظل القدير شاكرين مهللين كل حين كل أيام حياتكم كما فى السماء كذلك في بيوتكم وكل ارضكم..