مينا ماهر يكتب: ما قبل التكوين!
بقلم: مينا ماهر
ملحوظة: هذا حوار خيالي غير كتابي…لكنه على بنية كتابية لغرض التأمل والمناقشة!
قبل أن يخُلق الزمان والمكان، وقبل أن يكوّن العالم والملائكة، والله كائن! هو فوق كل زمان ومكان ووجود! واحد هو الله بكلمته وروحه! واحد هو الآب، واحد هو الابن، واحد هو الروح القدس!
محبة وانسجام غير محدودين بين الاقانيم الثلاثة…سلام وخضوع لا نهائيان نحو بعضهم البعض! لذلك قرر ثلاثتهم:
-هلم لنخلق الإنسان ليشاركنا كل هذا الحب!
فقال الآب:
-سنخلقه على صورتنا: خلاق، كامل بلا خطية، ذو سلطان، أبدي وعلى رأسهم حر الإرادة!
فأجاب الابن بسابق علمه: لكن حرية الإرادة لا تأتي بلا ثمن في وجود الشر! فسنخلقه ونحن عالمون أنه سيتمرد وسيختار أولا أن يتحرر منا نحن الله! وهذا معناه أنه سيموت، وبموته سيتسلل الشر والألم والعذاب إلى نفسه وبقية العالم!
فقال الروح:
-لذا يجب أن نعد له طريق رجعة…خلاصاً… حتى يعود إلينا ويحيا إلى الأبد!
فقال الآب:
-بكل تأكيد! وسيكون هذا الخلاص مؤثراً ومعبراً عن حبنا الغامر له! هذا الخلاص سيستوجب الوقوع تحت سطوة الموت أيضا في عالم شرير! أي يجب على المخلص أن يختبر الموت! أمرٌ خطير لا يستهان به! … فستكون تجربة أليمة علينا!
فبادر الابن وقال:
-إن شئت…انا سأخلص الإنسان بعد تمرده…سأتجسد واختبر الموت حتى يختبر الإنسان هذه المحبة العظيمة بيننا وبينه! وبالموت سأدوس الموت بقيامتي…وأعبر بالإنسان إلى ملكوتنا من جديد!
سكت الابن لبرهة ثم قال:
-لكن لتكن لا إرادتي…بل إرادتك!
حزن الآب وأجاب:
-حب عظيم…يستحق الألم، بل ويضاهي كل الآلام! ليس من السهل عليَّ أن أبذل ابني الوحيد الحبيب…لكن من أجل محبتي للإنسان سيتم الخلاص للبشرية كما قلت! حتى لا يهلك كل من يؤمن بك من بني البشر، بل تكون لهم حياة أبدية!!
فقال الابن:
-انا هو القيامة والحياة، من آمن بي…ولو مات…فسيحيا!
فاستطرد الآب:
-إذن سنخلق الإنسان كشبهنا! كمثال الابن المتجسد ليدرك الإنسان أنه على صورة مخلصه قد خلق، وان خطة خلاصه في ذهن الله الثالوث من قبل تأسيس العالم!
فقال الروح:
-أما أنا فسأكون معزياً للإنسان بعد قبوله الخلاص، فسأسكن فيه وسأقويه وأبكته إن لزم الأمر وسأبكت بقية العالم على بر وعلى خطية وعلى دينونة! فإرادتنا أن جميع الناس يؤمنون ولمعرفة الحق يقبلون!
فرأي الله الثالوث أن ذلك حسن، فقال الأب للابن:
-هلم إذن نقوم بخلقة العالم ليكون معداً لخلقة حبيبنا الإنسان! فلنبدأ بخلقة الملائكة كمرسلين منا لخدمة الإنسان! لتُخلق الملائكة!
فقام الابن بخلقة الملائكة، وتمرد ستانائيل رئيس الملائكة على الله بسبب حسده، فسقط حاصداً معه لفيف من الملائكة الأخرى؛ فوُجد الشر منذ هذه اللحظة كما رآها الثالوث قبل حدوثها! لذا لم يعرقل وجود الشر خطة الله لجلب الإنسان، بل سيكون متمماً لخطة الخلاص العظيم!
لهذا قال الأب لابنه: فلنخلق الآن الكون الواسع حتى نضع فيه الأرض موطن الإنسان! فليُخلق الكون! فقام الابن بدوره بخلقه الكون!
ورأى الثالوث أن ذلك حسن أيضا، فقال للابن: لنخلق الأرض إذن لنُسكن فيها حبيبنا الإنسان!
فقام الابن بخلقة الأرض في خمسة أيام! وفي كل مرة كان يخلق فيها الابن خليقةً ما، كان روح الله حاضراً يرف حولها! فخلقت جميع الخلائق بكلمة الله (كن…فيكون)، حتى جبل الله الآب بنفسه الإنسان من تراب في اليوم السادس على صورته وشبه ابنه، وبنفخة حياة من الله الروح القدس في أنفه، خلق الله الابن الإنسان! فكانت خلقة الإنسان إذن- دون بقية المخلوقات- نتاج شركة خاصة جداً ومباشرة للثالوث في الخلق!
وهكذا اكتملت الخليقة كلها كما آلفناها في سفر التكوين والتي كانت معدة خصيصاً من أجل الإنسان ومحبة الله له، بعمل واحد وإرادة واحدة متكاملة من الثالوث القدوس، يشملهما الحب الكامل والخضوع والبذل!
إن الله قد خلق الكون كله، حتى الملائكة، من أجل عظم محبته للإنسان؛ وأن خطة الخلاص كانت معدة منذ الأزل بسابق علم الله بميلاد الشر وسقوط الإنسان! فالله لا يقع تحت سلطان الطبيعة المخلوقة ولا يغير خططه كرد فعل على تقصيرنا! ولكنه - كضابط للكل- يستخدم أخطائنا وسقطاتنا الشريرة التي تمت بكامل حريتنا، لإتمام مشيئته الصالحة لخلاصنا!