هاني صبحي يكتب: الشك.. اليقين .. و12 رجل مقريف!!
بقلم: هاني صبحي
الروائي والفيلسوف الفرنسي چان بول سارتر كانت له مقولة: "إذا أجمع الكل على رأي واحد، هذا يعني أن لا أحد قد أجهد نفسه بالتفكير ".. هل فعلا فيه حد يملك الحقيقة المطلقة؟ أم إن الطريق للحقيقة دايما بيبدأ بالشك ؟ ..كتير بتأمل حال المجتمعات اللي قطعت أشواط وقامت بقفزات بعيدة في ركب الإنسانية والحضارة ، للوصول لأكبر قدر ممكن من تحقيق العدالة عن طريق القانون..وهنا بقى مربط الفرس ، وهنا تكمن الغاية من فلسفة سن القوانين..ايه الهدف؟ هل مهمة منظومة العدالة هي تطبيق القانون مواد ونصوص لصالح الشكليات وصحة الإجراءات وتستيف الورق؟ ..ولا الغاية من القانون هي الوصول يقينا للحق والعدل؟ .. السؤال ده جاوب عليه واحد من أعظم الافلام في تاريخ السينما..12رجل غاضب.. " ألا يستحق قرار إنهاء حياة إنسان واحد أن نجلس قليلا لنتحدث ؟..فقط نتحدث!!"
معرفش شفته كام مرة، لأن كل مرة بكتشف رمزية أو قيمة أو مبدأ انساني جديد .. فيلم مدته ساعة ونص بحالها جوه غرفة متجاوز كل الأعراف السينمائية، وعوامل النجاح الجماهيري وبيتحداك انك مش هتمل ولا تسرح، بل هتقعد مستنفر وعلى اعصابك كأنك بتتفرج على فيلم اكشن.. مبارزة حوارية، فكرية وإنسانية من النوع الفاخر ...الـــــ 12 دول أعضاء في هيئة محلفين.. ودي لوحدها حاجة تنقط...فيه دول بتستعين بنماذج من الشعب "لمشاركة" العدالة في قرارها والحكم في قضية جنائية.. اجتمعوا في غرفة اجتماع روتيني بعد جلسة المحكمة لنظر قضية شاب فقير من حي شعبي جريمته قتل أبوه وكل الأدلة ضده، ولم يستطع محاميه دحض اي دليل منهم أو التشكيك في شهادة الشهود.. جريمة متكاملة و12 رجل متأفف من الحر والمروحة اللي بايظة، والقضاة في الخارج تنتظر تصويتهم جميعا بأن الشاب مدان ويستحق الإعدام.
12 رجل اجتمعت في كل منهم اغلب سمات البشر: عنصري يرى في كل الفقراء مشروع مجرم بلا شك، متردد ملوش قرار سارح في قطيع الاغلبية، مستعجل عايز يلحق ماتش مهم، شخص غير مكترث، محلف جامد المشاعر، عجوز هادئ، شاب حانق مسقط رأسه حي فقير يشعر بالضآلة، ثري ينظر بفوقية للمجتمعات الفقيرة، يعاني من عقوق إبنه اللي شاف في الشاب المتهم نسخة من قسوته.
مدير الجلسة بشكل تلقائي لمهمة روتينية مش هتاخد دقايق يطلب المحلفين برفع يدهم في حالة إن حد شايف إن الشاب غير مدان ، ومحدش يرفع أيده طبعا لأن التهمة لابساه.. إلا واحد بس يرفع أيده وميقولش حتى أنه واثق أنه غير مدان...فقط نتحدث.. رجل واحد يصيب المجتمعين بالضيق كونه هيتسبب في تأخيرهم عن مصالحهم أو الذهاب لبيوتهم في يوم حار مزعج..رجل واحد هيعطل القضاء عن تأكيد الحكم وانهاء المسألة.. الرجل الواحد اللي كلامه حس أنه مأقنعهمش فطلب بنفسه إعادة التصويت، ولو محدش انضم له هيمشي برأي الأغلبية..الرجل الواحد يبقى اتنين.. واللي ضم له صوته مكانش حتى مقتنع ببراءة الولد بس صعب عليه موقف الشخص اللي بيحاول إنقاذ حياة الشاب لوحده ومحدش يقف جنبه.
صراع طبقي وإنساني ونفسي وعنصري اشتعل على مدار ساعة ونصف، عرى وكشف وأفصح عما بداخل كل شخص في غرفة بها 12 رجل كانوا في عداء مسبق مع شاب محكوم عليه أنه قاتل... انتهى بــــ 12 رجل رأوا إن الفتى قد يكون برئ ويجب إعادة محاكمته لعدم كفاية الأدلة، اللي كانت قبل الحوار هي نفسها أدلة دامغة على القتل.. وهي دي عبقرية الفيلم ..الفكرة ابدا مكانتش تبرئة الولد ..الفكرة فينا احنا..في مفهوم العدالة.. في القاعدة اللي لازم تسود إن حياة الإنسان _ اي إنسان غالية...حريته غالية..حكمك على الشخص لازم ميكونش وراه اي غرض أو رأي نهائي أو قرار مسبق ناتج عن مشاعرك تجاهه ، مش ناتج عن الرغبة في البحث عن الحقيقة.. مينفعش نحكم على حد أنه شكله وهيئته توحي أنه مجرم يبقى مؤكد مجرم.. انسان يبدو لطيف وشيك يبقى لا يمكن يكون مجرم
الفيلم دعوة لكل إنسان .. فكر ..فقط فكر بحيادية ودون انحياز.. شخص واحد قص الشريط، خلى كل اللي واخد فكرة ومريح دماغه يتبع فريضة التفكير ..خلى الكل بدأ يشغل دماغه وقبل منها ضميره.. وانتهى نهاية مفتوحة على ناس قررت تخلي المحكمة تعيد نظر فقط..تدي فرصة لإنسان قد يكون فيه أمل ١٪ أنه يعيش وميموتش ظلم.. ويبقى السؤال.. هل هييجي اليوم في بلادنا، ونشوف إن حياة البشر غالية، أو إن الحرص على حرية إنسان واحد أرقى وأعلى قيمة من الحرص على تستيف الورق وسلامة الإجراءات؟ ️