عبد المسيح يوسف يكتب: الفساد واقتصاديات كرة القدم ... قطر تقدم كأس عالم مبهرة
لا يعلو شيء حاليا فوق صوت الساحرة المستديرة، كرة القدم، ومسابقة كأس العالم في قطر 2022، سواء كنت من محبي قطر أو ومنتقديها لسبب ما، إلا أنها نجحت في استضافة كأس عالم تبقي ناجحة بكل المقاييس، بفعل الإدارة، ونفوذ رأس المال، والإمكانيات، التي قلما توفرت لدى دولة. انتقادات كثيرة وجهت إلي قطر قبل استضافة كأس العالم، فيما يتعلق بالفساد الذي أحيط بإرساء عطاء بطولة كأس العالم في قطر، ومسؤولية الفساد في الجزء منه لا تقع علي قطر وحدها، بقدر ما تقع علي الغرب والفيفا، وأما عن معاملة العمالة وظروف العمل، فهي بكل تأكيد في حاجة لمزيد من التحسين والآدمية، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد من الدول الغربية تتحدث أكثر مما تفعل، وأحيانا تطالب الآخرين، بما لا تنفذه هي نفسها علي أراضيها، خاصة فيما يتعلق بمجال الحريات والحقوق وحرية التعبير، وإن كان ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال، أنه لا توجد دول أكثر حرية وديمقراطية من الدول الغربية، ولكنها كلها قضايا نسبية وليست مطلقة، تتطلب معطيات وبيئات وظروف معينة.
تبقي الساحرة المستديرة، جذابة للملايين حول العالم، أيا كان المكان الذي تلعب فيه. وتبقي منتخبات المتعة والكرة الحلوة مثل الأرجنتين وفرنسا والبرازيل محور اهتمام غالبية العالم، شأن الحال بالنسبة لشعبية ريال مدريد وبرشلونة على المستوى العالمي. كثيرون يتمنون كأس العالم أرجنتينية مثلي، أو فرنسية، أو برازيلية، وهي كلها منتخبات تقدم كرة قدم ممتعة وحلوة. كانت هناك مفاجآت في كأس العالم 2022، منها هزيمة الأرجنتين في مباراة الافتتاح، أو هزيمة البرازيل ساحرة كرة القدم في العالم من الكاميرون، أو هزيمة فرنسا، هذا العملاق الكروي وبطلة كأس العالم الأخيرة 2018، والتي تسير بخطي ثابتة وحادة في البطولة الحالية من تونس الخضراء.
انتقادات أخري وجهت إلي قطر بمنع أعلام المثليين وشرب الكحوليات وغيرها من السلوكيات، التي لا تتناسب مع عادات وتقاليد مجتمع عربي إسلامي، وهذه انتقادات ليست في محلها، لأن كل الدول المشاركة وفي مقدمتها الفيفا كانت تعلم هذا كله، ويجب على الغرب أن يكون "بوشين"، هل يسمح مثلا في دول غربية تجرم تدخين المخدرات أن تسمح لمشجعي المنتخب الهولندي والكندي، حيث الماريجوانا مشرعة، أن يدخلون مطاراتها ويدخنون هم وغيرهم الماريجوانا في طرقها العامة ومطاعمها وغيرها من الأماكن، بالطبع لا. كانت الفيفا والدول المشاركة في كأس العالم كل هذه الضوابط، التي يجب احترامها، ليس من منطلق الموافقة عليها أو رفضها، ولكن من منطلق أنها كانت معروفة قبل أن يتم اختيار قطر، لتنظيم كأس العالم 2022، ونجحت قطر في تنظيمها، وحققت البطولة نجاحا باهرا، رغم كل الانتقادات.
متعة كروية يتابعها الكبير والصغير والشباب، بل وبعض السيدات يتابعن هذه البطولة.
أقاويل وحكايات، فترة تشعر فيها الحكومات بالارتياح من الضغوط الشعبية، حيث الكل مشغول بمتابعة نتائج المباريات، التي أصبحت مشاهدتها مكلفة في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، ومعدلات التضخم العالية، ولهذا تتغاطي بعض دول العالم النامي عن عمليات سرقة حقوق البث في بعض المناطق عن طريق شباب أو أشخاص آخرين يقومون بعمل وصلات للقنوات الرياضية الناقلة للمباريات بأسعار في متناولهم، علما بأن كرة القدم قبل أن تتحول لاقتصاديات ضخمة، بها قنوات للفساد بسبب التدفقات المالية الضخمة، كانت مشاهدة المباريات مجانا علي القنوات العامة المجانية، التي تمولها الحكومات لنشر أفكارها وسياساتها بين الشعب.
أصبحت كرة القدم في العالم كله اقتصاد واستثمار بالملايين، بل وأحيانا بالمليارات، لكسب شعبية لدي الملايين، والتأثير عليهم، بل واتجهت صناديق استثمار سيادية لبعض الدول كما الحال في الخليج، قطر التي اشترت باريس سان جيرمان، والسعودية التي اشترت نيو كاسل، وألميريا، والإمارات العربية المتحدة التي تمتلك واحدا من أهم الأندية مانشستر يونايتد، ومحاولات أخري لشراء أندية أخري، لا تتوقف شعبيتها علي حدود الدول التي تلعب فيها، بل تمتد شعبيتها في كل الكرة الأرضية، وهو ما يمثل دعاية وتسويق وشعبية، بجانب الاستثمارات التي بالملايين والمليارات من الدولارات. يقول التقرير الذي أعده مركز هارفارد، أن للرياضة تأثيرا اقتصاديا ضخماً على الدول، وفي الحالات القصوى يمكنها أن تشكل %2.5 إلى %3.5 من إجمالي الناتج المحلي للدول.
في عام 2015، ألقت قوات الشرطة السويسرية القبض على 7 من كبار مسؤولي الفيفا في زيورخ بسبب الفساد وقضايا رشوة من قبل بعض الدول للحصول على حقوق تنظيم كأس العالم 2022، وكذلك عمليات غسيل أموال. كما اتهم رئيس الاتحاد الإسباني لكل القدم في قضايا رشوة وفساد، ولم يسلم متخذي قرار كثيرون في الاتحادات الغربية لكرة القدم من قضايا واتهامات الفساد والرشوة، فما بالنا بما يحدث في اتحادات كرة القدم في العديد من دول الجنوب.
أيقنت الدول أن كرة القدم، هي السبيل نحو التأثير على الشعوب، بل وعلى الكرة الأرضية، حيث أنها الرياضية الشعبية الأولي في العالم. واتجه العديد من رجال الأعمال والمستثمرين ممن لا يمتلكون المليارات إلى تأسيس أو شراء الأكاديميات لتأهيل الناشئين وبيعهم بأسعار كبيرة للأندية الكبيرة في الدوريات المعروفة في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وغيرها.
أما في دول العالم النامي، بعض المضطلعين بالعمل في اتحادات الكرة، فإنهم يحققون ثروات طائلة من العمل في هذا المجال، علما بأن مؤهلاتهم العلمية والأكاديمية، لا تؤهلهم للحصول علي هذه المكاسب، ويدفعون عن ذلك بأقاويل من عينة أنها "أرزاق يوزعها الخلاق"، متجاهلين ومتآمرين أن البعض منهم يأخذ الكثير من العمولات من صفقات بيع وشراء اللاعبين بالملايين من الجنيهات أو الدولارات، التي لا تتناسب مع امكانات الاقتصاد الوطني أو معدل المرتبات والدخول في هذا المجتمع، ويتساءل الجميع أين الأجهزة الرقابية من هذه الملايين، التي يديرها أشخاص متمسكون بمقاعدهم ولا يتركونها بسبب المكاسب الضخمة، التي لم يكن يحلمون بها. وعلى الجانب الآخر، فإنهم لم يحققوا إي إنجازات حقيقية لفرقهم أو منتخبات بلادهم، أنه المال يا سادة، الذي بدل أحوال كرة القدم وجعلها منها اقتصاد، ورياضة، ونفوذ، ووجاهة، ومكانة، واستثمار، وفساد، يتمني الكثيرون أن يكونوا فاعلين فيه. متي يحين الوقت لإصلاح منظومة كرة القدم في دول الجنوب، خاصة تلك المنظومات التي تعاني اتحاداتها من الفساد والمحسوبية؟