عاطف حنا يكتب: ملكوت الله ... سيمتد (٦٠) كَفَاكُنا دَوَرَانٌا (٦)
الذين يخافون من الموت هم في الواقع الذين يخافون من الحياة، لأنه من الذي يخاف من الحياة وأخطارها إلا الذي يخاف من الموت، فإن كنا نخاف من الموت فلن نكون مُهيئن لمواجهة التحديات والمخاطر بل سنقضي حياتنا في حالة من الدوران حول أنفسنا وفي حالة من الجُبن والهروب من مواجهة مسئوليات الحياة، وهذا يقودنا من دوران في دوائر.
بهذا أنهيت مقال سابق في سلسلة "كفانا....." كنت قد توقفت لمدة إصدارين من جريدة جود نيوز الكندية ناقشت فيهما «مَا طَهَّرَهُ اللهُ لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ!!، وهنا في هذا المقال سوف استأنف رحلة لوط التي هي رحلة الكثير من مؤمني العهد الجديد مع كامل الآسف في الدوران في دوائر تنتهي إلى نهاية ليست بحسب مشيئة الرب، فمن نتائج سكني لوط، (الذي يمثل الكثيرين منا الذين تصالحوا مع العالم في العالم) في سدوم وعمورة، سأذكر هنا ٣ نتائج واستكمل في المقال القادم.
أولا: عرض على رجال المدينة أن يخرج لهم بناته اللتان لم تعرفا رجل لكي يفتدي الملاكان من الفعل الفاحش الذي أراده رجال سدوم وعمورة أن يفعلاه بهما، فالسكني في مدينة ﴿العالم﴾ أو بالأحرى سكني العالم داخلنا يجعلنا نستخدم الحكمة الإنسانية التي يطلق عليها الكتاب "لَيْسَتْ هذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ........، هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ". (يعقوب ٣: ١٥، 16)
إنه التشويش الذهني وعدم القدرة على التفكير السليم وعدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، إنه التشويش الذهني.....
ثانياً: عندما عرض عليه الملاكان بالإسراع في الخروج هو وبناته وأزواجهم وامرأته، وَقَالَ الرَّجُلاَنِ لِلُوطٍ: "مَنْ لَكَ أَيْضًا ههُنَا؟ أَصْهَارَكَ وَبَنِيكَ وَبَنَاتِكَ وَكُلَّ مَنْ لَكَ فِي الْمَدِينَةِ، أَخْرِجْ مِنَ الْمَكَانِ" (التكوين ١٩: ١٢)
فكلم لوط أصهاره وصار كشارب خمر سكران إذ يقول الكتاب المقدس "فَكَانَ كَمَازِحٍ فِي أَعْيُنِ أَصْهَارِهِ." (التكوين ١٩: ١٤)، مع كل هذا كانت ردة فعله التباطؤ، انه الانسجام مع الوضع الحالي، فالإنسان الساكن في العالم وأقولها مرة أخرى ومرات أي الذي يُسكن العالم داخله سمته التباطؤ!
مستريح في أرضه لا يحب التغير لا يقبل أن يترك الـــــ comfort zone كما نسميها رغم أن هذه الـــــــــــ comfort zone قد تكون بالأحرى هي سبب عدم تقدمه في الحياة بل قد تكون وهذا ما نراه في قصة بطل قصتنا هذه كَفَاكُنا دَوَرَانٌا، قد تكون سبب فيما هو عليه أو ما قد يجني من ثمار في المستقبل كما سنرى! .. إنه التباطؤ..!!
ثالثاً: في قصة خروج لوط من ارض دائرة سدوم وعمورة فقد شريك حياته، فقد امرأته التي صارت عمود ملح كما نعلم جميعنا، والملح في الكتاب المقدس له معنى إيجابي وبالطبع لا ينطبق على قصتنا هذه وله أيضا معنى سلبي وهنا يعني انه مصدر مرارة نتيجة للنظر إلى الخلف دائما، فالإنسان الذي ينظر إلى الوراء يمتلئ بالمرارة داخله
فالنظر للوراء دائما وابدا يملأ صاحبه بالمرارة والشفقة على النفس بل يقودك إلى فقدان ما امتلكته من أراض روحية، إذ أن ملكوت الله لا يقف محلك سر بل هو له صفة صاحبه، كنهر سباحه لا يعبر أي نهر جاري لا يوجد في الملكوت برك ومستنقعات أَمَّا غَمِقَاتُهُ وَبِرَكُهُ فَلاَ تُشْفَى. تُجْعَلُ لِلْمِلْحِ. (حزقيال ٤٧: ١١)
لذلك قال الكتاب المقدس "السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ". (إشعياء ٥٠: ٥)
كمال قال العظيم في الرسل، بولس، "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، (فيلبي ٣: ١٣) ... احذر للنظر للوراء!!
عزيزي القارئ، أرجوك لا تستثني نفسك، فكلنا هذا الشخص في أوقات كثيرة من حياتنا، اذ نقف في محطات كثيرة في حياتنا متخيلين انها إرادة الله، فهذا تشويه صورة الله في أذهاننا، ليس إرادة الله لـــ"لوط" أن يسكن في سدوم وعمورة وليس إرادة الله أن يموت أصهاره وليس في إرادة الله أن تتحول امرأة لوط إلى عمود ملح، ولا كان الرب مسرور بدمار سدوم وعمورة إذ تحولت المدينة إلى دمار ...!!
فيكفينا الزمان المنصرم دورانا!