د. ناجي اسكندر يكتب: لماذا يتجه الشباب للتشكك في الكتب المقدسة؟ معضلة التوفيق بين العلم والإيمان
هذه المقالة تعطي حلا لهذه القضية الصعبة وقد أعددتها وبعون المسيح بغرض أن تساعد المؤمنين من القائمين على رعاية كنيسة المسيح، وضمنهم الوالدين في إجابة الجيل الجديد من أبنائهم من الشباب المتشككين والملحدين حول ما يبدو في الظاهر من تعارض بين بعض أعداد الكتاب المقدس وما يدرسونه مما قد تم إثباته كحقائق علمية مؤكدة
السؤال الصعب هل تتعارض ظاهر النصوص الكتابية مع الحقائق العلمية مثل: كروية الأرض، مركزية الشمس، عمر كوكب الأرض، النظام الشمسي، طريقة خلق الكون، زمن ظهور الإنسان، حقيقة التطور وتطبيقاتها التي صارت لازمة لاستمرار الحياة مع هذا الانفجار السكاني العالمي وذلك في مجالات زيادة وتحسين السلالات الغذائية والحيوانية لتكفي البشر وفي مجالات عديدة حديثة جدا في الطب منها كمثال فاكسينات مرسال الحمض النووي؛ والتي فاز بسبب تلك الأبحاث الطبية 47 عالما بجائزة نوبل من أخر خمسين جائزة في الفسيولوجيا والطب؟
فلقد تم اتهام عدد من العلماء بالهرطقة مثل Nicolaus
Copernicus (مركزية الشمس) جاليليو (النظام الشمسي) والذي كاد أن يفقد حياته بسبب نظرياته ؟
فقد قررت قيادات الكنيسة الكاثوليكية والمتنورون من رجال الدين في الطوائف الأخرى في القبول بكل النظريات العلمية المؤكدة وبان ذلك القبول لا يتعارض مع الكتاب المقدس والإيمان المسيحي للأسباب الأتية:
إن الكتاب المقدس لم يكتب أبدا ليكون مرجعا في العلوم البشرية - ما عدا علم السلوكيات البشرية وهو فقط ما اعتني به الكتاب المقدس - وهو علاقة الله مع البشر، ووضع أسسه منذ بداية كتابة النص وعليه لا يجب أن ينشغل المؤمنون بمحاولة مطابقة ظاهر النص الحرفي لبعض الأعداد الكتابية مع الحقائق العلمية المثبتة والمكتشفة في وقت لاحق على الكتاب المقدس، وعليه لا يجب الاهتمام بمناقشة ذلك من الكتاب المقدس أو حتى محاولة تأويل النص وتوفيقه مع الحقائق العلمية وذلك للأسباب الأتية:
أولا: لم يعني الكتاب المقدس بتفصيلات الحقائق العلمية والتي تخص علوم الحياة؛ حتى إن قصة خلق الأرض وظهور الإنسان أخذت منه أقل من صفحة في سفر التكوين وذلك من صفحاته والتي تزيد عن الألف صفحة، رغم أن قصة الخلق استغرقت أكثر من أربعة بليون سنة.
بينما اهتم الكتاب في الغالبية العظمي من صفحاته وأعداده بالحديث عن قصة تعامل الله مع البشر وأهمية خلاص أنفسهم من توابع الخطية وفي محور ذلك كله خطة الله لفداء البشر عن طريق السيد المسيح.
ثانيا: إن كتبة الكتاب المقدس فيما يخص الحقائق العلمية كانوا يكتبون ما تم تعارف البشر عليه في وقت كتابتهم ونعطي مثالا هاما جدا لتوضيح ذلك:
يقول الكتاب "وَالشَّمْسُ تُشْرِقُ، وَالشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَتُسْرِعُ إِلَى مَوْضِعِهَا حَيْثُ تُشْرِقُ." (جا 1: 5).
وهذا يتطابق تماما مع ما يراه الإنسان العادي والذي يرى الشمس تشرق في منزله ناحية الشباك الشرقي وتغرب ناحية الشباك الغربي ثم تعود في اليوم الثاني لتظهر في الشباك الشرقي
وهذا ما شرحه الكتاب وهو يتطابق تماما مع ما يراه الإنسان العادي، فهل كان من الممكن أن يقول الكتاب ذلك بطريقة علميا متجاهلا ما يراه الإنسان العادي فيذكر الاتي:
- الأرض كروية
- الأرض تدور بسرعة هائلة ولكن تبقي الأشياء ثابتة علي ظاهرها بفعل سرعة الدوران الثابتة وتبقي الأشياء ملتصقة بالأرض حتى وهي مقلوبة بفعل الجاذبية الأرضية
- الشمس ثابتة بالنسبة إلى الأرض ولكننا نراها في الشباك الشرقي ثم الغربي بسبب دوران الأرض حول الشمس
ولنتخيل بهدوء لو أن الكتاب ذكر تلك التفصيلات:
١- فهل يمكن أن يقبل ذلك الإنسان العادي في أوان كتابة الوحي وهو مازال وحتى الآن يصعب فهمه بل وتصديقه على البعض من عامة الناس؟
٢- ما أهمية ذلك في خلاص نفس الإنسان وهو محور اهتمام الكتاب المقدس؟
٣ - هل كان الأهم بالنسبة للإنسان حدوث معجزات لازمة ومفيدة وفورية يشاهدها العديد والأهم تساعده في احتياجاته مثل إشباع الجموع، وشفاء المرضى، وتهدئة البحر للخائفين، وإقامة الموتى لتعزية أحبائهم، وهي معجزات تقوي إيمان البشر بصدق الكتاب وعلى مدى العصور.
أم الأهم له أن يعلن عن معجزة سبق علمي بالقطع كانت لا تفيده ولم تفهم في أوانها ولم تقنع أحدا في وقتها، بل وربما تصورها خرافات وسوف تؤدي للعكس وهو أن تضعف إيمانه في الكتاب المقدس الذي سيبدو غير متناغما مع حقيقة ما يراه الإنسان العادي وقتها.
ولن تظهر قيمة الإعجاب العلمي الذي هو خارج نطاق اهتمام الكتاب إلا عندما يكتشفها العلماء وبعد الأف السنين ويكون أوانها في فات بعد استقرار الأيمان وعليه ينتفي الاحتياج لها بل ونكر كانت ستضعف الإيمان وقتها ولن تقويه.
ثالثا: العبارة المؤكدة التي قالها معلمنا بولس في رسائله عن الوحي وكان رسائله قبل كتابة الأناجيل - أي انه كان يقصد بها العهد القديم- وأيضا كان واضحا جدا في الغرض من هذا الوحي وهو التقويم والتوبيخ وقطعا لم يشمل الوحي أي من النظريات العلمية والتي لا يعني بها الكتاب في الأصل فهي خارج نطاق الغرض من كتابته. "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ،" (2 تي 16:3)
وما قاله معلمنا بطرس أيضا واضح جدا فهو يتحدث عن النبؤات وليس الحقائق العلمية:
"أنه لم تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ." (2 بط 1: 21).
ولكن عدد من الرجال القائمين على رعاية كنيسة المسيح، وربما بحسن نية وبغير قصد فهموا الوحي بالحرف وفي غير ما هدف إليه الوحي والحرف يقتل.
وعليه ففيما عدا التقويم والنبؤات فقد كتب كتبة الكتاب عن علوم الحياة ما هو شائع من الحقائق الحياتية في أوانهم والتي بالقطع وهذا منطقي جدا لم يتطابق الكثير منها مع ما اكتشف لاحقا من حقائق العلمية.
وهذه الحقائق تنطبق على مثال أخر هام:
وهو قصة التكوين والتي لا يجب أن يعنينا منها سوي الاتي:
- انها تنبهنا أن الكون بتعقيداته التي تفوق الفكر في دقتها وروعتها تدل على وجود الخالق.
- أن الخلق وهذا أيضا منطقي جدا قد حدث بالتدريج وبترتيب معين وأن كان الوقوف عند تفصيلات هذا التدرج لا يعني خطة الكتاب في خلاص البشر.
- أن الله استراح في اليوم السابع وهذا يقودنا إلى أن نخصص يوما نستريح فيه من أعباء الحياة ونخصصه يوما للرب.
رابعا: بذلك تصالحت الكنيسة في عصرنا الحالي مع كل ما تم تأكيده من حقائق علمية سابقة وما سوف يتأكد مستقبلا - وطالما وهذا هام جدا - لا يتعارض ذلك مع فكرة وجود الخلق الذكي أي وجود خالق والذي تؤكد عليه كل التصميمات الذكية بالغة الدقة، وعلي خطة الله لفداء الإنسان، والحياة الأبدية.
وهذه الأشياء إيمانية وتنتمي لعالم الميتافيزيقا ولا تتقاطع أطلاقا مع العلوم الفيزيائية ومن غير الذكاء أن يحاول البعض من المؤمنين والقائمين على شئون الدين علي معارضة هذه الحقائق العلمية الموثقة والمثبتة لمجرد تصوره أنها تتعارض مع ظاهر بعض أعداد في الكتاب المقدس والتي نكرر ما بيناه من ذكرها لظاهر الأمور وأنها وهذا هو الأهم لم تكن ضمن الوحي وإصرار بعض المؤمنين أو الملحدين على افتعال تلك المناقشات ليس فقط لا قيمة لها وهي كما يقول الكتاب مناقشات غبية وسخيفة وتضير قضية الإيمان لا تفيده.
وَالْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ،" (2 تي 2: 23). ولكن وهذا هو الأهم أن تلك المناقشات قد تؤدي لتصور خاطئ من البعض وهو انتصار العلم وفي نقاش لم يعني الكتاب أصلا ولم يطلب منا الخوض فيه وللأسباب التي ذكرتها، بل وقد يدفع عددا من الشباب المتعلم والمثقف جدا وهذا ما نراه بوضوح اليوم - والذي من أجله كتبت تلك المقالة - إلى:
1- الشك في مناطق الوحي الحقيقي في الكتاب المقدس والذي أكرر أن الوحي لا يختص بظواهر الحياة وعليه ذكرها الكتاب بظاهرها وذكر السائد المعلوم عن هذه الظواهر وقت كتابة الكتاب. فهذا الوحي يختص بالنبوءات وبتقويم الإنسان وبخطة الله لخلاص البشر.
2- بل وقد يؤدي ذلك أن الكثير من هؤلاء الشباب يدفعه هذا الشك إلى الإلحاد وهو ما يحدث وما نراه هذه الأيام بارتفاع نسبة الإلحاد بين الشباب خاصة في بلدان العالم الأول.
وعلى العكس فان هذه الاكتشافات العلمية الموثقة والتي يعلن عنها وتخص الأمور غير المنظورة وغير المدركة في دقائقها وكما يقول معلمنا بولس الرسول يجب أن تجعل الإنسان بلا عذر في الإيمان بالخالق وبالكتاب المقدس وخطة الله لخلاص البشر وليس العكس.
الخلاصة: لا يجب أن نتوقف عند ظاهر بعض التصورات المذكورة وكما فهمها كتبة الكتاب والناس في وقتها عن بعض الأمور وسجلوها في الكتاب المقدس والتي أكرر أنها لا علاقة لها بوحي النبوءات والتقويم والتوبيخ، ولا تقع حتى في محور اهتمام الكتاب الذي يعني في الأساس بأمور ميتا فيزيائية وهي لاهوت الله وتعامله مع البشر وخطته للفداء وملكوته الأبدي. وهذه الاكتشافات العلمية الموثقة يجب أن تقود بنا إلى الإيمان بوجود الخالق لا أن تشككنا في حقائق الإيمان حول وجوده وخطته لخلاص البشر وملكوته الأبدي.
"لأَنَّ أُمُورَهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ." (رو 1: 20).