زينب على البحراني نكتب: غلاء المعيشة.. إلى أين؟
ما أن بدأ العالم يلتقط أنفاسه بعد جائحة كورونا التي حاصرت تحركات البشر قرابة سنتين حتى وجدت البشرية نفسها مُحاصرةً في نفق غلاء المعيشة والتضخم الاقتصادي المُتصاعد بوتيرة مُتسارعة تكاد تكون غير مسبوقة خلال العقود الأخيرة، ما يجعلنا أمام جائحةٍ عالميَّة مُقبلة من نوعٍ جديد لا تجدي معه اللقاحات إلا إن اكتشفوا لقاحًا دائمًا يقي من الإحساس بالجوع!
قد يتصور كل مقيم في بلد أنها أزمةٌ محليَّةٌ داخل حدود أرض معيشته، لكن المُتابع لأخبار العالم يكتشف أنها أزمةٌ عالمية تزحف ممتدة من بلدٍ إلى آخر، ففي ألمانيا ارتفعت مُعدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1990م، كما وصل التضخم في الولايات المتحدة الأميركية إلى 8.6%، وهو الأعلى منذ 40 عامًا، بينما وصل التضخم في منطقة اليورو إلى 8.1%، و في طوكيو تجاوز معدل التضخم التوقعات مسجلاً 4% للمرة الأولى منذ عام 1982، أما في البلدان العربية فقد ارتفعت مُعدلات التضخم في أعلى مستوياته إلى 14% .
كما ذكر موقع بي.بي.سي العربي في تقريرٍ بعنوان: "كيف تواجه الدول العربية ارتفاع نسب التضخم والبطالة والفقر في عام 2023؟"، ومهما ظن البعض أن بعض البلدان لا يمكن أن تتأثر شعوبها بتلك المستويات العالية من التضخم بسبب ما يرون أنه أجور عمل مرتفعة أو أنظمة ضمان اجتماعي مُراعية لاحتياجات غير القادرين على العمل؛ إلا أننا لا ننسى بأن غلاء المعيشة يتناسب طرديًا مع مستوى الأجور في تلك البلدان لا عكسيًا.
من أهم أسباب ارتفاع مُعدلات التضخم تصاعد أسعار الطاقة والغِذاء، ما يؤدي إلى عواقب سلبية لا سيما على الأُسر ذات الدخل المُنخفض التي يستحوذ فيها الغذاء على ما يُقارب 40% من الإنفاق الاستهلاكي، وفي ظل ظروفٍ كهذه يصعب توقع استقرار المجتمع حين يتجاوز أفراده ما يُسمى "عتبة الألم" ويفقدون صوابهم لعجزهم عن توفير احتياجاتهم الإنسانية الأساسية بمقاييس العصر الذي يعيشون فيه، فتبدأ دورةً جديدة من دورات الخراب!
من النادر في عصر السيناريوهات العالمية المُعدة مُسبقًا حدوث شيء بـ "الصدفة" المحضة، لا سيما إن كان طابع "الإثارة السينمائية" الهوليودية يبدو واضحًا في بعض مشاهد الأحداث، السؤال الذي يطرح نفسهُ هُنا: من وراء هذه الأزمات المُتتابعة التي تُصر على حرمان البشر من عيش حياتهم بسلام؟ والأهم؛ كيف يُمكن أن يحمي "الفرد" نفسه من تداعيات تلك الأزمات مادام "الخلاص الجماعي" حلمًا مُستحيلاً حين تُقاد الجماعة وفق سياسة القطيع الذي لا خيار أمامه إلا الانصياع والتسليم؟