عبد المسيح يوسف يكتب: مصر والاتجاه شرقا للتخلص من ضغوط الدولار ... مع مجموعة البريكس
منذ أن قامت الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقع العالم في بدايتها أن روسيا ستسحق أوكرانيا سريعا، وتنتهي هذه الحرب، وأساء الغرب والشرق إدارة هذه الحرب، حيث يدخل كل طرف فيها معاندا لتحقيق هزيمة الطرق الآخر. الغرب يمد لا حساب أوكرانيا بالمال والمعدات العسكرية، وروسيا المسألة لها قضية حياة أو موت، قضية أمن قومي وإقليمي وعالمي، ولن تتنازل عن رفض انضمام أوكرانيا للناتو الذي سيمثل أو مسمار حقيقي في قلب انهيار روسيا كقطب عالمي مؤثر.
هذه الحرب كانت ولا تزال لها، مع كورونا، تأثيرات ضخمة للغاية على كل الدول، وخاصة من حيث ارتفاع أسعار كل شئ، مواد الطاقة، والمواد الغذائية، وغيرها من المنتجات من سلع وخدمات. الكل يعاني في دول الجنوب النامية، وفي دول الغرب والشمال المتقدمة. الفارق الجوهري بين الطرفين، أن الغرب تتوافر لديه الموارد والقدرة النسبية من حيث إنتاجية السكان، والقدر الشرائية الأعلى نسبيا، علي تحمل ضربات الأزمة العالمية لكل من الحرب الروسية الأوكرانية وكورونا، في صورة ارتفاع الأسعار.
لن يصدق البعض في دول الجنوب ومنها مصر الغالية، أن المواطنين في أعتي وأقوى الدول الغربية المتقدمة، هنا في كندا، وكذلك الولايات المتحدة، وأيضا دول أوروبا الغربية، المواطن يشعر بمعدلات التضخم العالية والارتفاع الجنوني للأسعار، ويكفي أن بندا واحدا زادت تكاليفه لأسرة من 3 أو 4 أطفال والأب والأم، أكثر من 1000 دولار شهريا بالنسبة لمشتريات الضروريات من مأكل ومشرب، فقط، فما بالنا بباقي بنود الحياة اليومية من ارتفاع جنوني لأسعار البنزين وغيرها.
المواطن في الغرب نعم مرتبه أعلى كثيرا من المواطن في الجنوب ومصر، لأسباب عديدة، لأن إنتاجية المواطن هنا في كندا وغيرها من الدول الغربية التي عشت فيها مثل فرنسا، أعلى ولا تقارن بإنتاجية المواطن في الجنوب ومصر، وكذلك لأن أسعار السلع والخدمات هنا غير مدعوم بالمرة من قبل الحكومة مثل مصر وغيرها من الدول، فضلا عن أن المواطن هنا يدفع ضرائب بمعدلات ضخمة وكبيرة، قد تصل لأكثر من 35% من دخله، ولا يستطيع التهرب منها، وسرقة حق الدول، ومصدر إيراداتها الاستراتيجي، ولكن المواطن في الجنوب ومصر، لا يجب أن ينسي أن مستوي المعيشة هنا، إذا كان الحد الأدنى للعمل بالساعة هنا يدور حول 15 دولارا، وهناك شرائح لها مرتبات أعلي بكثير، لكن مستوي المعيشة المرتفع وارتفاع الأسعار لا يجعلك تستطيع أن تدخر، ولكن يجعلك تستطيع أن تعيش في رفاهية، يكفي أن تعرف أن سعر لتر البنزين حاليا، يدور حول 1.69 دولارا، أي ما يعادل 35 جنيها للتر من البنزين العادي، وأن تكلفة توصيل سيارة تاكسي لمشوار في حدور 30 كيلو مترا، قد تدور حول 45 دولارا كنديا، أي ما يربوا من 1000 جنيه.
هذه المعلومات، هي مجرد محاولة للفهم فقط للظروف بعيدا عن أي اعتبارات أخري.
مصر، المرتبات فيها ضعيفة مقارنة بالأسعار فعلا، وهناك جشع من التجار، وضعف بل ووهن غريب للقانون، بسبب الفساد والمحسوبية، وغيرها من الأمور. والأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، تمر بها كل دول العالم، ومنها المتقدم منها مثل الدول السبع الصناعية، ويكفي أن نعرف أن أمريكا عاجزة عن سداد ديونها التي تتجاوز التريليونات، وكندا الدين العام في تزايد مستمر، والدول الغربية تعاني من تزايد رهيب في الإنفاق. هذه الدول لديها موارد وقدرة علي تحمل ضربات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
لكن مصر الحبيبة، دول عريقة، ولكن مواردها الاقتصادية محدودية، والبعض ينشغل بالحديث عن كرة القدم، أكثر من الحديث عن المستقبل الاقتصادي لأسرته، ويقولون أنه لا يوجد عمل للناس تعمله، نعم ربما هناك ظروف صعبة، لكن حينما يكون هناك عمل، من عمل منا في الحكومة واستقال يعرف أن الإنتاجية في هذا القطاع تقريبا منعدمة، وهو في حاجة لإصلاح هيكلي، ربما لا يكون بتسريح عمالة منه، بقدر من إضافة مهام وأعمال جديدة لبعض الوزارات، حتي تكون إنتاجيتها أعلي، فضلا عن إعادة توزيع العمالة والموظفين بين الوزارات الخدمة والإنتاجية. مصر في حاجة إلى التركيز أكثر على الإنتاجية وزيادة الإيرادات.
كما أنه كان من الخطوات الجريئة والرشيدة توصل مصر إلي اعتماد الجنيه المصري في التعاملات الخارجية، لحركة التجارة الخارجية مع بعد الدول الشريكة والاستراتيجية من روسيا التي اعتمدت الجنية في التعامل في حركة النقد الأجنبي والتجارة الخارجية المشتركة، ومن المخطط أن تعتمد الصين الجنيه المصري في حركة التعامل التجاري بين البلدين، وهو ما يمثل نقلة نوعية وتحركات سياسية رشيدة ومؤثرة للرئيس السيسي، الذي وجه البعض انتقادات للاستثمارات التي وجهت للبنية الأساسية في العاصمة الجديدة وأماكن أخري، ولكنها في المدي البعيد مهمة لجذب الاستثمارات.
بدأت مصر تتجه شرقا، روسيا والصين وجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا والهند، وكلها دول تستطيع مصر أن تخفف الأعباء من على الدولار، بأن تعتمد الجنية المصري في حركة التعاملات الخارجية معها، بما يخفف العبء والطلب علي الدولار، الذي يعتمده العالم كعملة للمعاملات التجارية العالمية منذ نهاية الحرب العالمية. وحان الوقت لكي تكون هناك سلة عملات في حركة التجارية الدولية والإقليمية، وهذا ما تتبناه دول البريكس التي تعتمد على عملاتها فقط في المعاملات التجارية وهي 5 دول، ومصر والسعودية كل منهما تريد اعتماد عملتها الوطنية الجنيه المصري والريال السعودي في معاملاتها الخارجية. وهذه محاولات جد عظيمة ومهمة ستقلل من الوزن الاقتصادي للولايات المتحدة عالميا، ولن تجعلها تقف صامتة، إن كان البعض يستغل شيخوخة الإدارة الأمريكية، وتخافت الدور الأمريكي في النظام العالمي، خاصة وأن إدارة بايدن لا تحظي بالشعبية اللازمة، في ظل الارتفاع الكبير للأسعار ومعدلات التضخم العالية في مختلف الولايات الأمريكية.
تنويع سلة العملات في حركة التجارية الثنائية والإقليمية والدولية، الذي تقوده دول البريكس، وبدأت مصر والسعودية تتجهان له، رغم أن ليس للحروب أي آثار إيجابية، لأن الحروب مدمرة في كل الأحوال، إلا أن توسيع نطاق بريكس، واعتماد عملات جديدة في حركة التجارة الخارجية يعد من أهم النتائج الإيجابية لهذه الحرب، التي أجبرت الدول علي البحث عن حلول لمواجهة ارتفاع الأسعار والضغط علي الدولار، وارتهان اقتصاديات العالم بالقرارات غير الرشيدة للبنك الفيدرالي الأمريكي بالرفع المستمر لأسعار الفائدة بدعوي كبح جماع الأسعار، ولكنه يزيد أسعار الفائدة، خاصة وأن الغرب في جزء كبير منه يعتمد علي أسعار الفائدة في القروض التي يحصل عليها المواطنون لشراء منازلهم أو سياراتهم أو أثاث المنزل وغيرها، وأدي هذا الارتفاع المتتالي لعدم قدرة بعض العائلات علي دفع الاستقطاعات الشهرية أو النصف شهرية لمنازلهم.
ورغم أنني أعارض الحرب الروسية الأوكرانية التي يدفع ثمنها الأبرياء من المواطنين، إلا أنني أدعم تحركات توسيع نطاق مجموع البريكس واعتماد سلة عملات في النظام التجاري الإقليمي والعالمي.