عبد المسيح يوسف يكتب: بصيص ضوء ... توقعات استمرار الركود الاقتصادي خلال العام الجاري 2023
ملايين يعانون من الأحوال الاقتصادية الحالية، حيث انخفاض مستوى المعيشة في الدول الفقيرة والنامية والمتقدمة على السواء، بسبب تحديات التضخم وارتفاع الأسعار التي تطول الجميع، وإن اختلفت القدرة من مواطني دولة لأخرى على مواجهتها. المواطنون العاديون يحلمون بأن تتحسن الأحوال الاقتصاد، بعد أن مر الاقتصاد العالمي، واقتصادياتهم الوطنية بسنوات عجاف قاربت الثلاث سنوات الأخيرة. وإن كان المواطنون العاديون يحلمون، فإن الخبراء والمسؤولين على السواء يخططون لتحسين الأحوال الاقتصادية العام الحالي 2023، خاصة وأن الرفع المستمر لمعدلات الفائدة التي تقوم به البنوك المركزية في الولايات المتحدة، ثم يعقبها بقية الدول يكبل ويقيد حياة المواطنين العادية بصورة مريحة.
يعاني الاقتصاد العالمي من حالة من الانكماش الحاد رغم تجاوز الناتج المحلي الإجمالي العالمي 100 تريليون دولار العام الماضي حسب تقرير مركز بحوث الاقتصاد والأعمال للاستشارات في بريطانيا. وكانت توقعاته متشائمة بخصوص عام 2023، بأن النمو سيتوقف تماما، بسبب انشغال الحكومات بمواجهة غول ارتفاع الأسعار والتضخم.
على الجانب الآخر، هناك خبراء يختلفون مع هذه التوقعات، ويتسمون بقدر من التفاؤل خاصة من خفة حدة كوفيد على الاقتصاد، وبدء تأثير حركة التطعيمات العالمية لمحاصرة الفيروس اللعين كوفيد الذي شل العالم لأكثر من عامين ونصف العام. يضاف إلى ذلك إدراك الغرب والشرق، أن الحرب الروسية الأوكرانية الجميع فيها خاسرون ولن يحقق أي طرف المكسب على الطرف الآخر، حيث فشل الغرب في شل آلة الحرب الروسية، وفشلت روسيا في إخضاع أوكرانيا كلية. ومن ثم استمرار هذه الحرب اللعينة، سيؤدي إلى مزيد من التأثير السلبي على سلاسل الإمداد الغذائية والطاقة العالمية، بسبب الدور المؤثر لكل من روسيا وأوكرانيا في أسواق الطاقة والمواد الغذائية والحبوب. هذه الاعتبارات لم تكن منفصلة عن فشل عدد من الدول في سداد ديونها بما في ذلك أعتي القوى الاقتصادية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الارتفاع المستمر لأسعار الفائدة، اعتقادا من البنوك المركزية أنه يكبح جماح التضخم، لكنه للأسف يزيد من إفقار مختلف فئات المجتمع الفقيرة والمتوسطة، سواء كانت في مجتمعات نامية أو متقدمة.
هناك توقعات أن يستمر الركود العالمي خلال العام الحالي 2023، حيث ستحافظ البنوك المركزية على ارتفاع معدلات الفائدة، اعتقادا منها أن هذا يقيد التضخم، كما حدث في توقعات قسم التنبؤ بمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال. وتوقع خبراء في جامعة هارفارد المرموقة أن يستمر التضخم خلال العام الحالي، وسيحتاج الاقتصاد العالمي إلى وقتا أطول ليصل إلى معدلات تضخم مقبولة في حدود أقل من 3%، وسيتحمل الجميع خاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة تكلفة طول المدة للوصول إلى هذه المعدلات المقبولة من التضخم وارتفاع الأسعار.
يأتي هذا في الوقت الذي خفض فيه صندوق النقد العالمي توقعاته بشأن النمو الاقتصادي العالمي لعام 2023، ليدور حول 2.7%، بسبب تحديات الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع الاقتصادي بين القطبين العالميين الصين والولايات المتحدة.
في سياق متصل، كشف تقرير إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، عن توقعاته بشأن انخفاض النمو الاقتصادي العالمي بشكل كبير إلى 1.9% في 2023، هبوطا من نحو 3% في 2022، نتيجة أزمتي الغذاء والطاقة التي أشعلتهما حرب أوكرانيا، والتأثير الراهن لجائحة كورونا، والتضخم المرتفع باستمرار، إضافة إلى حالة الطوارئ المناخية. لكنها توقعت انتعاشا معتدلا العام المقبل 2024، يصل إلى 2.7%، إذا انحسر التضخم تدريجيا، وبدأت الرياح الاقتصادية المعاكسة في الانحسار. وحذرت من آفاق اقتصادية متشائمة بسبب إن التباطؤ الاقتصادي العالمي الحالي يشمل البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، حيث تواجه دول كثيرة مخاطر الركود في 2023.
على نفس الوتيرة، توقع رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس انخفاض النمو الاقتصادي العالمي في الفترة بين عامي 2023 و2024، بسبب استمرار التضخم وانخفاض الاستثمار. وتوقع أنه "سيكون تباطؤا طويل الأمد، والسبب هو استمرار التضخم، وانخفاض الاستثمار الجديد الذي يحدث بالفعل، إذا نظرنا إلى الأمام لمدة عام أو عامين، فمن الصعب أن ترى انتعاشا كبيرا. وخفض البنك توقعاته للنمو العالمي إلى 1.7% هذا العام. وسيكون هذا ثالث أسوأ أداء خلال العقود الثلاثة الماضية، بعد انكماش عامي 2009 و2020.
ولم تختلف توقعات مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بشأن الاقتصاد العالمي في عام 2023، إلى سيحقق أقل معدل نمو له منذ 20 عاما، باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية عام 2009، وذروة جائحة كورونا المستجد عام 2020.
ويضيف المركز في توقعاته أن العالم سيظل يعاني من تداعيات زيادة قيمة الدولار وارتفاع أسعار الفائدة، فيما قد تتخلف دول نامية عديدة عن سداد ديونها بالعملات الأجنبية هذا العام، لأن تشديد السياسة النقدية الأمريكية قلص مستويات السيولة النقدية في الولايات المتحدة، وبالتالي تراجعت كميات السيولة النقدية التي كان يمكن استثمارها في أدوات الدين للدول النامية.
الجانب الوحيد المضيء في هذه التطورات الانكماشية والركودية والتضخمية للاقتصاد العالمي عام 2023، جاءت من بنك جي بي مورجان، الذي توقع أن تضطر البنوك المركزية على الأرجح إلى خفض أسعار الفائدة في وقت ما من العام الحالي، وهو ما ينبغي أن يؤدي، برأي خبرائه، إلى انتعاش مستدام لأسعار الأصول وبالتالي الاقتصاد بحلول نهاية عام 2023، في الوقت الذي سيعاني العالم من المزيد من الضعف الاقتصادي وزيادة البطالة وتقلب السوق وانخفاض مستويات الأصول الخطرة وانخفاض التضخم.