عبد المسيح يوسف يكتب: ابحث عن الطلبة ... حرب الجواسيس تشتعل بين الصين وكندا وأمريكا
حالة من التوتر الحاد تشهدها العلاقات الصينية الكندية، والصينية الأمريكية، بعد أن كشفت وسائل الإعلام في أوتاوا وواشنطن عن اكتشاف جهاز المخابرات الكندية والسي آي إيه الأمريكية، عن أساليب صينية جديدة للتجسس على كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. قد يبدو للمراقب من بعيد أن القضية هينة. لكن واقع الأمر يكشف مدي الذكاء الصيني الشديد، لأن بكين تسعى إلى الحصول ليس على الأسرار العسكرية والحربية فحسب، ولكن أيضا علي جوهر التقدم الاقتصادي والصناعي في الدول الغربية عامة، وكندا والولايات المتحدة تحديدا.
بعد قضية البالونات الطائرة "المنطاد" الصينية، التي كشفتها وسائل الإعلام الأمريكية والكندية، لأغراض التجسس، وهي التي ادعت الصين أنها لأغراض مناخية، ولكن وسائل الإعلام الغربية كشفت أن هذه المناطيد الصينية كانت تطير فوق الأرض الأمريكية والكندية، في مناطق حساسة عسكرية واستراتيجية.
ويعتبر الطلبة الصينيون من دارسي الدرجات العليا للماجستير والدكتوراه، الوقود الحيوي للتجسس الصيني على كل من كندا وأمريكا. وإن كنا هنا سنركز الأضواء على الحالة الكندية. مؤخرا كشفت المخابرات الكندية عن أحد طلبة الدراسات العليا من حاملي الجنسية الصينية، قام بسرقة معلومات اقتصادية من شركة هايدرو كيبيك .. الشركة العامة للكهرباء والطاقة في إقليم الكيبيك .. وكشفت عن أن المعلومات التي نجح هذا الطالب في الحصول عليها والوصول إليها، تمثل واحدا من أهم الاختراعات الكندية في مجال الطاقة.
وبدأت التحقيقات الأمنية والمخابراتية في القصية، التي غلفت بعد ذلك بالسرية. إلا أن الإعلام الكيبيكي مارس الكثير من الضغوط على حكومة ترودو الفيدرالية وحكومة فرانسوا لوجو في الكيبيك لكشف النقاب عن تفاصيل القضية، مع توقعات وجود قضايا مشابهة، خاصة وأن أعداد الطلبة الصينين، الراغبين في استكمال دراساتهم العليا في تزايد. وبعد من نفاط قوة ومزايا الدراسات العليا في كندا، وكذلك الشهادات الجامعية، خلال المرحلة الأخير من الدراسة، يمكنك القيام والتمتع بفترة تدريب في إحدى الشركات الخاصة أو العامة في مجال تخصصك، وهو ما يفتح أمامك الفترة إلي كم هائل نوعي من المعلومات، التي قد ترتبط احيانا ببراءات اختراع كندية في مجالات اقتصادية حيوية واستراتيجية.
وكانت وسائل الإعلام الكندية والكيبيك خلال الأيام السابقة، كشفت النقاب عن أن الكنديين من أصول صينية يحاولون التأثير علي الحياة السياسية والانتخابات في كندا، حيث تم كشف النقاب عن تبرع أحد رجال الأعمال الكنديين من أصول صينية لمؤسسة بيير آليوت ترودو، رئيس وزراء كندا السابق ووالد رئيس وزراء كندا الحالي جوستان ترودو بتبرعات تزيد علي 200 ألف دولار، وطالبت وسائل الإعلام، بضرورة أن تعديد مؤسسة ترودوا هذه التبرعات وأن يتم فتح التحقيق فيها، خاصة وأن هذه الأموال والتبرعات موجهة سياسيا بغرض التأثير علي القرار السياسي والاقتصادي في كندا لمصلحة الصين.
يذكر أنه منذ عامين كانت هناك توترات كبيرة في العلاقات الكندية الصينينة بعد أن اتهمت الصين عدد من الدبلوماسيين الكنديين في بكين بالتجسس، وقامت بالقبض عليهم، وهو ما جعل كندا ترد علي هذه التصرفات بالقبض علي المديرة العامة لشركة هواووي الصينية خلال رحلة ترانزيت لها في مدينة فانكوفر الكندية في إقليم بريتش كولومبيا علي المحيط الهادي في الغرب الكندي، والتهديد بتسليمها للسطات الأمنية الأمريكية، لأنها مطلوبة علي ذمة قضايا تتعلق بالتجسس الاقتصادي والجيل الخامس لشبكات الهواتف الخلوية، في ظل الصراع الاقتصادي بين الصين من ناحية والولايات المتحدة وكندا من ناحية ثانية.
الغريب في الأمر، أن أي مواطني كندي يحق له التبرع لأي جهة مدينة أو سياسية طالما تم هذا في إطار القواعد القانونية المنظمة، حتى لو كان من أصول مختلفة عن الجنسية الكندية، باعتبارهم مواطنين كاملي الأهلية من حيث الحقوق والواجبات ويدينون بالولاء لكندا والمصلحة العليا الكندية. لكن الغريب في الأمر، أن المخابرات الكندية اكتشف أن سيل الطلبة الصينيين الذي يأتي للجامعات الكندية للدراسة، ثم التدريب والعمل في الشركات الكندية، شأن بعض رجال الأعمال والشخصيات الكندية من أصول صينية، كل ما يقومون به هو بتنسيق مطلق مع السلطات والمخابرات الصينية، علاوة على أن أي تبرعات يقدمها أعضاء الجالية الصينية في كندا، تقوم الحكومة الصينية بردها لهم مع مكافآت أخري لم يتم الكشف الكثير عن تفاصيلها.
حالة من الغليان والضغوط الكبيرة والمبررة تمارسها وسائل الإعلام علي السلطات الكندية، وتكثر من استضافة الخبراء الأمنين والعاملين السابقين في جهاز المخابرات الكندية أو السفارة الكندية في الصين خلال فترات سابقة للحديث عن استراتيجيات الصين الحالية في التجسس علي الاقتصاد الكندي والأمريكي، عبر أمواج من طلبة الدراسات العليا الصينين المرسلين للجامعات الكندية والأمريكية، فضلا عن عناصر محددة وفاعلة في الجالية الصينية في كندا وأمريكا، للتأثير عن صانع القرار السياسي، ومحاولة الحصول علي أكبر قدر ممكن من المعلومات الخاصة ببراءات الاختراع الكندية والأمريكية، لأن الحرب الجاسوسية الحالية بين بكين من ناحية وأوتاوا وواشنطن من ناحية ثانية هي حرب اقتصادية بالأساس، بعد أن خف بريق الحروب العسكرية التقليدية المباشرة.
ولاتزال القضية ساخنة، والجميع يترقبها عن كثب، وما ستسفر عنه التحقيقات المخابرات، والقرارات التي ستتخذها السلطات الحكومية في العاصمة الكندية أوتاوا، والعاصمة الأمريكية واشنطن.