نعمات موافي تكتب: صوم وجيري
بقلم: نعمات موافي
منذ تحرري من الفكر الجمعي والتأثير المجتمعي وأنا أسأل نفسي ما الذي يجنيه الله من إرهاقنا بالفروض وتكاليف العبادات وهل سبحانه يتلذذ بتكديرنا؟ حرام وحلال، صغائر وكبائر، براءات وموبقات وهلم جرى.... بل ويلاحظنا واضعاً عينيه علينا اليوم كله وإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ...لا وأيضا عين ملكين عن يميني وشمالي حتى يراقبوا خطواتي وتحركاتي وهمساتي .... مخبريين يعني.
فالأسبوع الماضي كنت أتكلم مع أخت فاضلة أثارت فيَّ هذه المشاعر القديمة وهي تكلمني عن فضيلة وعظمة وثواب ورائحة الصوم.. وبينما هي تكثر وتعدد في نعمة الصوم تشتت ذهني وتذكرت شغفي وجلوسي أمام الشاشة السحرية وأنا مشدودة بكل مشاعري وذهني محصور في مشاهدة حلقات توم وجيري...وحصار القط توم للفأر الغلبان المسكين جيري
.. وفجأة تنبهت لصديقتي وهي تقول لي.. رحتي فين؟ قلت لها صوم وجيري.. وأمتلئت أفواهنا ضحكاً لدقائق، ثم ودعنا بعضنا لنعود بعدها لممارسة مهماتنا اليومية.
وبينما أنا عائدة لمنزلي سألت روحي، هو حقيقي ليه الواحد لازم يصوم؟ فوجدتها تحيل إلى السؤال قائلة ولماذا لا تجيبي أنتي؟
قلت لها لنشعر بجوع الجائع من الفقراء والمعوذين.. قالت أذاً الصوم فريضة على الأغنياء والمقتدرين فقط! وألا يكفي أن أصوم مرة واحدة فأشعر بالفقراء وأساعدهم في عوزهم واحتياجهم
قلت يمكن بنصوم عشان ده فرض إلهي علينا الالتزام به؟ قالت، أذاً لماذا كتب علينا الصيام وما الغرض منه؟ ولا تنسي أن الفرض واجب على العبيد فقط وليس على الأحباء والأبناء وقد اتفقنا فيما سبق أن الله يحبنا محبة فائقة الأدراك ونحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً..
وعندما احتار دليلي، قالت لي أقص عليك قصة:
"ملك عظيم جليل مهوب يهب العطايا الصالحة للجميع ويغدق بالحب على الكل ويرى في الكل أبناءه المُدللين وأمراءه المكللين، في يوم دخل بيت به أختان يحبيانه ويوقرانه ويرونه الأبرع حناناً وحباً وجمالاً من كل بني البشر، أمتلئ البيت بالفرح والترحيب بمليكهما العظيم وأجلساه مرحبين، وأسرعت الصغيرة وأتت لتجلس عند أقدامه لتسمعه بكل حواسها الروحية، لتتحول كل خلاياها أذان صاغية لكلماته الحية الفعالة التى تخترق مَفْرَقِ نَفْسِها وَالرُّوحِ وَتسري في مَفَاصِلِها لتنقش بمِخَاخِها، حتى تمحص أَفْكَارَ ْقَلْبِها وَنِيَّاتِهِا، نعم متلذذة بكلماته مستظلة بستر حضوره الطاهر المجيد..
فجاءة دخلت عليها أختها الكبيرة التي أربكت نفسها بتحضير الطعام والشراب وتجهيز البيت وتزويقه وترويقه وكانت مضطربة بأمور كثيرة حتى يرضى عنها الملك وعسى أن يثني عليها بكلمات الرضا.. دخلت لتنتهر أختها لأنها تركتها وحدها، فقالت لجلالة الملك.. لماذا لا تبالي، قُل لها أن تقوم لتساعدني.. ابتسم الملك قائلاً: طعامي وشرابي هو أن تجلسا معي وتريني وجهك وتسمعيني صوتك، فأنا لم أتي إليكما لتناول الأكل والشراب.. أنتي تهتمين وتضطربين بأمور لا نفع فيها وتراعين أباطيل لا أحتاجها يعني بالبلدي لاقيني ولا تغديني، أما أختك اختارت أن تجلس فى محضري ولم تتركني وحدي فكنت أنا لها النصيب الصالح..".
وهنا أدركت عظمة الصوم والصلاة فهي أوقاتي التي أنسى فيها زماني ومكاني وطعامي وشرابي وأرى كل ما فوق التراب تراب وأسمو فوق أهوائي وشهواتي وتتلاشى نزواتي ليشدو قلبي قائلاً تطيب ساعةٌ أخلو فيها مع الحبيب إلهي ونعمة النصيب الصالح متلذذة به، فيجري حديثه معه سراً وليس رقيب..
دمعت عيناي وقلبي الأواب يقول للودود القدوس أتوب إليك على كل استعلاء واحتقار لغيري من الصائمين أو الصائميين ممن لم يلتزموا بأدب الصيام يوم كنت أقول بلا استحياء.. "اللهم اني صائم"، لأغلف نفسي بسلوفان البريق الزائف لأنول استحسان ورضا كل من حولي...! قال يعني...منعت نفسى من الخطأ لأنى صائمة وليس الصوم من هذبني وأصلح ما في داخلي....
فأصبحت أري واختبرت الصوم الحقيقي عندما تركت العالم حولي وجلست في محضره ...أغلقت كل ما يشتت روحي وذهني ومشاعري وجسدي عنه.. ووجدتني أدعو للجميع أن يذوقوا حلاوته ويختبروا مجد جماله... فماذا يستفيد الإنسان عندما يمتنع عن الطعام كليا أو يمتنع عن بعض أنواع من الطعام لفترة زمنية وجميع حواسه في مكان أخر... ربما الاستفادة الوحيدة تكون في خسران بعض الوزن أو توفير بعض النقود.
دمتم فى صلاة وصوم المحبة الإلهية ونعمات الرضا الربانية تشعل قلوبكم بنور مجده وبهاء جلاله ليظللكم برضاه وفرحه الذي لا ينزع منكم كل الأيام وعلى الدوام ولكل عائلتكم والمحيطين بكم في كل مكان.. مع دوام التوفيق والنجاح ويدير الله سلامكم كالنهر الدفاق.. ولكم مني جزيل الاحترام والمحبة.