رامز ارمانيوس يكتب: فكرة عن تجسد الكلمة (1)
فكرت كثيرا في أهمية الكنوز الموجودة في كنيستنا العريقة والتي للآسف لا تهم الكثيرين. فلن توجد حياة روحية سليمة بدون اساس لاهوتي. كذلك لا يفهم اللاهوت الا بالحياة الروحية الإختبارية. لذلك قررت أن انقل لك عزيزي القاريء بعضا من هذه الكنوز. احاول جاهدا في كل مرة أن أقدم لك ملخصا اوافكارا او حتي انقل لك بعض من هذه الكنوز لعلك تتشجع و تتشدد و تبحث عنها بذاتك لترتوي و تشبع منها. ابدأ معك عزيزي القاريء بكتاب تجسد الكلمة للقديس البابا أثناسيوس الرسولي. كان هدف كتابات القديس اثناسيوس هو إثبات ألوهية السيد المسيح، الكلمة المتجسد. لذلك فتجديد الخليقة تم بواسطة الكلمة الذي هو خالق الخليقة في البدء. ولقد اهتم اثناسيوس في كتابه بإبراز دور النمو الروحي للإنسان لذلك اخضع النظريات العقلية للإيمان. كما شرح أثناسيوس وأوضح أن الله صالح، أو بالأحرى هو بالضرورة مصدر الصلاح.
ولا يمكن للصالح أن يبخل بشيءٍ. لهذا، فإذ لم يضن بالوجود على أحد، صنع كل الأشياء من العدم، “بكلمته” يسوع المسيح ربنا. ومن بين هؤلاء، إذ أظهر حنوًا خاصًا على جنس البشر، أكثر من سائر المخلوقات على الأرض… منحهم موهبة أكبر. فلم يكتفِ بمجرد خلق البشر، كما فعل مع باقي المخلوقات غير العاقلة… بل خلقهم على صورته، معطيًا إيَّاهم كذلك نصيبًا في قوة “كلمته”، لكي يستطيعوا، وقد خُلقوا عاقلين، أن يقيموا في الغبطة إلى الأبد، ويحيوا الحياة الحقيقية اللائقة بالقدِّيسين في الفردوس.
لكن إذ كان يعلم أيضًا كيف أن إرادة الإنسان يمكن أن تميل إلى أية الجهتين، بادر فحفظ النعمة المعطاة لهم، بوصية وبالمكان الذي وضعهم فيه. لأنه أتى بهم إلى جنته، وأعطاهم وصيته، حتى إذا حفظوا النعمة، واستمروا صالحين، أمكنهم أن يحتفظوا بالحياة في الفردوس بدون حزنٍ ولا ألمٍ ولا قلقٍ، بالإضافة إلى الوعد بعدم الفساد في السماء.
أما إذا خالفوا وارتدوا وصاروا أشرارًا، فسيعرفون أن يجلبوا على أنفسهم ذلك الفساد بالموت، الذي كان لهم بالطبيعة، ولا يستحقون أن يعيشوا بعد في الفردوس، بل يُطردون منه منذ ذلك الوقت، ليموتوا ويبقوا في الموت وفي الفساد. هذا هو السبب الذي لأجله قدم الكتاب المقدس تحذيرًا، قائلاً: في شخص الله “من كل شجرة في الجنة تأكل أكلاً. وأمَّا شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت” (تك 2: 16-17). ولكن أي شيءٍ يعنيه بقوله: “موتًا تموت”، سوى أنه ليس مجرد الموت، بل أيضًا البقاء إلى الأبد في فساد الموت.
الإنسان يجلب على ذاته الموت والفساد: إذن، فقد خلق الله الإنسان، وأراد له أن يبقى في عدم فساد، ولكن البشر باحتقارهم التأمل في الله ورفضهم له، ابتكروا ودبروا الشر لأنفسهم… فنالوا حكم الموت الذي اُنذروا به. ومن ذلك الحين لم يستمروا كما خُلقوا، بل فسدوا طبقًا لتدابيرهم، وساد عليهم الموت كملكٍ (رو 5: 14). وكما يقول سفر الحكمة: “صنع الله الإنسان لعدم الفساد وكصورة لأزليته”. ولكن “بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم” (حك 2: 23-24). ولما حدث هذا، بدأ البشر يموتون، بينما تفشَّى فيهم الفساد بالأكثر من ذلك الحين، مكتسبًا سلطانًا أكبر من سلطانه الطبيعي على كل الجنس البشري. لأنه جاء نتيجة لمخالفتهم الوصية، ولم يكن لتهديد الله من أثرٍ عليهم.
حتى البشر أيضًا في سوء تصرفهم لم يقفوا عند أي حد، وإنَّما امتدوا بالتدريج، متخطين كل الحدود. وأصبحوا مبتكرين للشر، وجلبوا على أنفسهم الموت والفساد. وإذ جنحوا بعد ذلك إلى الشر، وتزايدوا في كل عصيان، ولم يقفوا عند شرٍ واحدٍ، بل أخذوا يبتكرون كل الوسائل لشرورٍ جديدةٍ تالية؛ أصبحوا لا يشبعون من الخطية. فأضحى الفسق والسرقات في كل مكان، وامتلأت كل الأرض من القتل والنهب.
ومن جهة الفساد والخطأ، لم يعد هناك اكتراث بالناموس، بل صارت كل الجرائم تُمارس في كل موضعٍ، سواء الخاصة أو العامة. فاشتبكت المدن في الحرب مع المدن، وقامت الشعوب ضد الشعوب، وتمزقت الأرض بالفتن والمعارك المدنية. وصار كل إنسانٍ ينافس أصحابه في الأعمال المنافية للشرع. وحتى الجرائم التي ضد الطبيعة لم تعد بعيدة عنهم. كما يقول رسول المسيح وشاهده: “لأن إناثهم استبدلْن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة، وكذلك الذكور أيضًا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي، اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض، فاعلين الفحشاء ذكورا بذكور، ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق” (رو 1: 26-27).
ولهذا السبب ساد الموت على البشر، وسكن الفساد فيهم. كان الجنس يهلك، والإنسان العاقل الذي خُلق على صورة الله في طريق الاختفاء. وكانت صنعة الله تقترب إلى الهلاك. إذ نال الموت من ذلك الوقت سلطانًا شرعيًا علينا (تك 2: 15). وكان من المستحيل الإفلات من الناموس، حيث وُضع بواسطة الله بسبب التعدي. وفي الحقيقة كانت النتيجة مريعة وغير لائقة.
ونستكمل الحوار في العدد المقبل إن احبت نعمة الرب وعشنا.
المراجع
١-ملخص من إعداد د. جوزيف موريس (كتاب تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولي، ترجمة د. جوزيف موريس، مركز دراسات الآباء بالقاهرة)
٢- موقع فريق اللاهوت الدفاعي.