عبد المسيح يوسف يكتب: مستقبل الذكاء الاصطناعي بين الاستخدام الإيجابي والأضرار بالإنسانية
خلال الشهور الأخيرة، انتشرت بسرعة البرق المواقع والتطبيقات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، والذي أحدث ثورة هائلة في التعاملات وجذب الاهتمام، قد تفوق ثورات كثيرة، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الذكاء الاصطناعي يعتمد كلية على تراكمات ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبرمجة وصناعة المحتوي على مستويه المكتوب والمرئي. جاء الذكاء الاصطناعي وحدثت تحولات جوهرية في العالم، خاصة الغربي، الذي دخل في مرحلة اختباره والتحقق من جدواه، خاصة وأنه من صنع الإنسان الغربي، وكالمعتاد أبناء ومواطني الغرب منبهرين به دون أن تكون لهم مساهمات حقيقية فيه، على الرغم من توافر أصحاب المهارات والقدرات الإبداعية في الجنوب والشرق ولكن لا تتوفر له المقومات الغربية اللازمة لتحويل ابتكاراتهم وإبداعاتهم إلي منتج قابل للتسويق.
هذا الذكاء الاصطناعي عمله الإنسان وطوره، وأصبح التحدي الأساسي لهذه التكنولوجيا، أن تحل محل الإنسان مما يؤدي إلي زيادة معدلات البطالة، بغرض خفض تكاليف الإنتاج من جانب أصحاب رأس المال، وبدلا من أن يكون نعمة للإنسانية، يكون في جانبه المظلم نقمة على العالم، في شماله وجنوبه، بلدانه المتقدمة والنامية، لأن مصدر الحياة للبشر هو عمل كريم ومصدر دخل محترم.
رجال أعمال عالميين من أمثال إيلون ماسك وبيل جيتس أولوا الكثير من الاهتمام بهذا الذكاء الاصطناعي وتأثيراته على تطور الاقتصاد العالمي من ناحية وسلوكيات البشر من ناحية أخري. كما أن العديد من كبار الصحفيين والإعلاميين في كندا وأمريكا وضعوا تطبيقات الذكاء الاصطناعي محل اختبار لكتابة مقالاتهم أو تحليلاتهم لبعض القضايا، إلا أنهم وجدوا أن برامج الذكاء الاصطناعي لم تنجح100% في هذه الاختبارات، لأنها محكومة بالمحتوي الذي تمت برجمته من قبل مبرمجي برامج الذكاء الاصطناعي، ومن ثم فإن حدود نجاح الذكاء الاصطناعي في كل الاختبارات تأكد أنها محدودة بمحدودية ومدي المحتوي، الذي يعتمد عليه هذه البرامج.
النقطة المحورية، أن ربما بعد الجماعات والقوي المناوئة للإنسانية والداعمة للتطرف والإرهاب، يمكن أن تطور برامج الذكاء الاصطناعي تعتمد علي محتوي مرئي ومكتب يقوم علي تزييف الحقائق والتدليل لنشر أخبار تهدد الأمن والسلم الدوليين وأمن المواطن العالمي، وهو ما يمثل تهديدا أمنيا كونيا، وهنا يأتي دول أجهزة الدول في الشرق والغرب، لتطور من إمكاناتها مواردها من خلال أجهزتها الأمنية، وبالتعاون مع شركات القطاع الخاص المتخصصة في الأمن ليس فقط المعلومات، ولكن أمن الذكاء الاصطناعي، بحيث تواجه هذا التحدي المستقبل، والذي يعد علي نفس درجة خطورة الإرهاب الدموي، لأن الإرهاب الفكري واللعب في أنساق قيم وأفكار البشر، بما يخدم مصالح متطرفة وإرهابية يمثل تهديدا للأمن والسلم الدوليين ولأن وسلامة الإنسان في النظام الدولي الإنساني.
الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه في مجالات متنوعة لخدمة وخير الإنسانية، خاصة وأنه مازال في مراحله الأولي، وقابل للتطوير شأن كل التكنولوجيات في بدايتها، وهنا يبرز أهمية تقنين الذكاء الاصطناعي بحيث تكون هناك قواعد منظمة بالنسبة لخلق الوظائف للبشرية، بدلا من أن يحل محلهم هذه التكنولوجيا متعدد الأوجه، وأن يتم الاتفاق على جهات أو منظمة عليا تجمع مختلف دول العالم من حكومات وشركات متعددة الجنسية، بحيث تمثل الضابط المنظم لتطوير هذه التكنولوجيا، التي يمكن أن تكون بناءة أو مدمرة للإنسانية.
لا أحد ينكر مزايا الذكاء الاصطناعي للاستخدام في مختلف مناحي الحياة التعليمية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، إلا أن هذه الاستخدام متعدد الأوجه ربما يكون بناء، وربما يكون لنشر التزييف وقلب الحقائق لمصلحة جماعات مضرة بالقيم الإنسانية الراقية، وهنا تبرز أهمية خلق أو تأسيس جهة دولية مهمتها وضح الإطار القانوني والتنظيمية النافذ على العالم بحيث تكون هناك مجموعة من الضوابط والقيم التي تحقق مصالح الإنسانية إيجابية بعيدا عن الإضرار بالبشر والمواطنين في أماكن دون غيرها.
هذا الجهل يتطلب سنوات وسنوات، قبل الوصول إلى صياغة واتفاق بين مختلف وغالبية دول وشركات العالمية، بما يحقق المصلحة العامة للجميع دون الإضرار بالبشر والإنسانية، وهنا يجب أن تراعي الدول المتقدمة الغربية صاحبة اليد العليا في تطوير برامج الذكاء الاصطناعي مراعاة متطلبات ومشاركة الدول الجنوبية التي في طور التقدم، لأن هذه التكنولوجيا أشد فتكا من الأسلحة، حال تمت الإساءة في توظيفها.