عاطف حنا يكتب: ”بمن” ام ”بماذا” نكرز (11)؟! هل نكرز ”بنص” أم ”بشخص”؟!
عندما بدأت في كتابة هذه السلسلة من مقالات "هل نكرز بنص أم بشخص؟!" لم أقصد أن أخاطب فئة أو فصيل معين من الناس أو لم أقصد أن أخاطب المسيحيين فقط بل كنت انتوي أن أخاطب من هم يؤمنون بوجود الله، لأن الله لم يحده نص معين أو شريعة أو عدة نصوص، لأن الله غير محدود فالطبيعي إننا إن أردنا إدراك الغير محدود فبالأولى أن نخرج خارج محدوديتنا وخارج الأطر التي وضعناها نحن حتى لو أخذت هذه الأطر شكلا مقدساً أو نصا كتابياً سماويا سواء من التوراة ام من الإنجيل أو من القرآن الكريم.
فهذه الكتب وهذه النصوص مهما كانت مقدسة لكن في النهاية حدود ومفردات اللغة مهما كانت لا تستطيع أن تعبر عن اللامحدود، و لكن هذه الكتب السماوية ما هي إلا إضاءات متألقة علي الطريق لكي تقودنا إلي معرفة الشخص الذي تشير إليه هذه النصوص المقدسة!! فقال هذا المعني القديس بطرس الرسول في رسالته الثانيه ««وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ ﴿العهد القديم و نصوصه﴾، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ ﴿الشخص ذاته اي يسوع﴾ فِي قُلُوبِكُمْ، عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ.
لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. (٢ بطرس ١: ١٩-٢١)
لذلك طرحت هذا السؤال في المقال السابق، هل سمعت عن (الله) أم سمعت الله نفسه، وهذه العبارة ختم بها أيوب البار رحلة الآلام التي جاز فيها فقال «فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. (أيوب ٤٢: ٣-٥).
ومن يتابع مقالاتي أو خدمات التعليم التي أشارك بها على الــــــ SoundCloud يستطيع أن يستنتج أن التعصب ليس من طبعي سواء لطائفة أو لمذهب أو لكاتب معين، فإنني شخصياً أعشق قراءة الكتب سواء الروحية أو للكتاب العظام، ففي أثناء كتاباتي لهذه المقالات وقع تحت يدي كتاب بعنوان «الله في المسيحية» لخادم الرب عوض سمعان، هذا الكتاب أجزم أنه ليس طائفي ولا ينحاز لفصيل عن آخر ولكن يوضح بحيادية من هو الله ويستشهد بنصوص من جميع الخلفيات سواء الدينية أو حتى اللذين لا يؤمنون بوجود الله.
وسوف اقتبس من هذا الكتاب الرائع بعض العبارات وانصح كل قارئ لهذه السطور سواء يؤمن بوجود الله أن تؤمن بنص أو تؤمن بشخص أو حتى إن كنت تشك في وجود الله نفسه وهم كُثر هذه الأيام، أن يبحث عن هذا الكتاب ويقرأه بعناية وبحيادية إذ يقول الكاتب ليس من المعقول أن يكون هناك إله يرضى أن يكون مجهولا منا!! لأنه إذ كان هو الخالق لنا، فمن المؤكد أن يكون كائنا عاقلاً، وإذ كان كائنا عاقلاً، فمن المؤكد أنه لا يرضي أن نحرم من معرفته، فإن كنا بسبب قصورنا الذاتي لا نستطيع أن نعرف شيئا عنه من تلقاء أنفسنا، لكن يجب أن نتوقع بكل يقين أن يعرفنا شيئا كافيا عن ذاته، لذا فالنصوص ما هي إلا إرشادات لنا لكن الهدف الأسمى هو معرفة شخصية ذاتية للإله الحي الحقيقي.
إذ يقول الكتاب المقدس أن الله لا يسكن في هياكل مصنوعة بأيدي بشر وقال الحكيم سليمان لأَنَّهُ هَلْ يَسْكُنُ اللهُ حَقًّا عَلَى الأَرْضِ؟ هُوَذَا السَّمَاوَاتُ وَسَمَاءُ السَّمَاوَاتِ لاَ تَسَعُكَ، فَكَمْ بِالأَقَلِّ هذَا الْبَيْتُ الَّذِي بَنَيْتُ؟(الملوك الأول ٨: ٢٧) ويقول أيوب عن الله قبل معرفته أو بالأحرى رؤيته بالعين الروحية «أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ (أيوب ١١: ٧، ٨)
ساترك لك عزيزي القارئ صورة غلاف كتاب «الله في المسيحية».