زينب علي البحراني تكتب: لماذا كثرت العيون الحاسِدة؟
غالبًا ما تكون شخصيَّة الإنسان انعكاسًا للظروف المُحيطة في بيئته، لا سيما إن كان هذا الإنسان من تلك الفئة "المُسيَّرة" عقليًا ومشاعريًا بحيث لا يكون واقعُه المُعاش سهل الانجراف وحسب؛ بل قلبه وعقله اللذان لا يستطيع السيطرة عليهما إلا الإنسان الحُر بأفكاره ومشاعره إلى حدٍ يجعل من احتلالهما والعبث بهما أمرًا بعيد المَنَال، والواعون الأحرار نادرون لأن هذا النوع من الحُرية يتطلب جذوة مُشتعلة في جذور روح الإنسان منذ البداية، ثم تُغذيها ثقافةً تبدأ بحُب القراءة التي توقِد في الروح مزيدًا من الكبرياء والتوق للكرامة.
تسببت وسائط التواصل الاجتماعي المعروفة بـ "السوشيال ميديا" بانفجار نماذج متنوعة من الثورات الإيجابية والسلبية في مُجتمعات العالم، وعلى رأسها المُجتمعات التي تُعاني جوعًا للحُرية في حياتها الواقعية يدفعها لعيش مساحات واسعة في العالم الافتراضي من باب الإسقاط والتعويض، لكن اتضح أن تلك المُجتمعات تُعاني جوعًا إلى الكثير: إلى الثقة، المحبَّة، الاكتفاء، الصدق، الأخلاق، الإشباع النفسي والجسدي بمُختلف صوره وأشكاله، وغدا الحسد مُتمثلاً بالتوق لما بيد الآخر وتمني زوال نعمته دون ذنبٍ اقترفهُ عنوانًا لجانبٍ من أخلاق هذه المرحلة! وبينما لم يعُد يخجل البعض من إطلاق سهام كلماتهم المسمومة مُعبرةً عن قهرهم أمام الآخر مُباشرة لأنه نال رزقًا لم ينالوه؛ يعض آخرون شفاههم سرًا من الغيظ لأن قريبًا من أقاربهم انتقل إلى مسكنٍ جديد، أو جارًا من جيرانهم اشترى سيارة، أو زميل دراسة قديم تمكن من الزواج، أو مخلوقًا لا يعرفونه ارتدى ملابس جديدة، أو قطة مُتشردة في الشارع صادفت على الأرض بقايا طعامٍ يُشبعها، تستغل فئة ثالثة قناع الأسماء المستعارة والصور الوهمية على وسائط التواصل للتجسس على نِعم الآخرين ممن يعرفون أو لا يعرفون، وصب جام جنونهم وهياجهم الهستيري في التعليقات تحت ما ينشره المشاهير والأثرياء من صور تظهر فيها علامات النعمة.. صار الناس إذا صادفوا نعمة عندك فكل همهم إما أن يُقلدوا عليكَ ويكونوا مثلك، أو تفقد نعمتك وتكون مثلهم! لم يعُد هناك رضا بالنصيب واحترامٌ لمواهب الموهوبين ونبوغ النابغين وجُهود المُجتهدين، حتى الأغبياء والكُسالى يريدون ما عند الذكي النشِط دون أدنى مجهود!
أصبح الناس يحسدون على أقل الأساسيَّات، يحسدون على الدراسة والوظيفة والزواج والإنجاب والصحة والبقاء على قيد الحياة، وصار الإنسانُ مُضطرًا للاستعانة بالكتمان على قضاء حوائجه أكثر من ذي قبل، لكن المؤسف أن هذا الثقب الأسود يتسع مُبتلعًا المزيد من فرحة الإنسان برزقه في مُجتمعٍ لا يرتاح أفراده إلا إذا عاش الجميع بؤساء!