عبد المسيح يوسف يكتب: ما ”طوفان الأقصى” بين حماس وإسرائيل والحرب الروسية الأوكرانية وعودة أجواء الحرب الباردة
لا أحد ينكر أن قرار حماس بالهجوم في إسرائيل في يوم 7 أكتوبر، وهو اليوم التالي لذكرى نصر 6 أكتوبر المجيد، هو قرار مباغت ومفاجئ وشجاع بمفاهيم الحرب الاستراتيجية، مع التأكيد أننا ضد العنف والحرب وإسالة الدماء، التي يدفع ثمنها الأبرياء من المواطنين، بغض النظر عن جنسيتهم. ولكن وفق أدوات التحليل السياسي والعسكري، فإن حماس أثبتت أنها فاعل قادر علي التأثير على التعاملات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وكشف "طوفان الأقصى" أن الصورة الذهنية التي يرسمها الإعلام الغربي والإسرائيلي، لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، مبالغ فيها للغاية، حيث كشف "طوفان الأقصى"، ومباغتة حماس ومعها بعد ذلك الفصائل الفلسطينية، فشل أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وخاصة جهاز الموساد، الذي طالما تغنت إسرائيل بقدرتها علي اختراق حماس وغيرها من الفصائل العسكري الفلسطينية مخابراتيا وهم ما ضمن لتل أبيب في مرحلة من المراحل درجة من الاستقرار من التهديدات الحمساوية وغيرها من تهديدات الفصائل المسلحة للمقاومة الفلسطينية.
المتابع عن كثب لتطورات الأحداث الإقليمية، يجد أن ما حدث من حماس إنما كان ترجمة لتطورات تفاعلات الأحداث على المستوي الدولي والإقليمي. فعلي المستوى الدولي، شيخوخة ووهن الإدارة الديمقراطية الامريكية يدركه القاصي والداني، رئيس إدارة، هو جو بايدن، اشبه "بالميت"، دمر صورة أمريكا عالميا، كقطب وحيد في النظام العالمي الدولي، وأصبحت الصورة الذهنية لأمريكا، كأكثر دولة مكروه في العديد من الدوائر الإقليمية في آسيا، وأفريقيا، والشرق الأوسط وغيرها، تأكد عجزها عن قيامها بأي دور فاعل في النظام الدولي أو أي من دوائره الإقليمية. كان الإدارة الأمريكية الليبرالية، المدعومة من وسائل الإعلام قد رضخت لصلح مذل مع إيران، هذه القوة الإقليمية، وتم تبادل أسرى بين الطرفين، فضلا عن الأفراج الأمريكي عن مليارات الدولارات لمصلحة طهران.
لا يخفى على أحد أن إيران حليف إستراتيجي لروسيا الاتحادية، التي عادت من جديد أجواء الحرب الباردة بينها وبين أمريكا، السبب الرئيسي للحرب الروسية الأوكرانية، بعد أن غررت واشنطن بأوكرانيا لتهديد الأمن القومي الروسي، لتشجيع أوكرانيا علي الانضمام إلي حلف الناتو بما يمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الروسي، وكان السبب الرئيسي للحرب الروسي الأوكرانية، التي رغم رفضنا لها، إلا أن أمريكا والدول الغربية المتحالفة معها، هي من أجبرت روسيا علي الدخول فيها، لأننا لو افترضنا أن روسيا قررت أن تهدد الأمن القومي الأمريكي بالتحالف العسكري من جديد مع كوبا، أو تشجيع أي من الولايات الأمريكية علي الانفصال عن أمريكا أو كندا، حيث توجد عدد من الولايات في كل من أمريكا وكندا لديها ميول انفصالية عن الدولة الفيدرالية في كندا وأمريكا أو مثل فرنسا جزيرة كورسيكا، وغيرها من الأقاليم. الخلاصة أن الحرب الروسية الأوكرانية، فرضت على روسيا.
ومن ثم فإن حماس قبل أن تضرب إسرائيل، حصلت على الضوء الأخضر، من إيران، ومن ثم بعلم موسكو، التي من مصلحتها اشعال مناطق أخري حيوية جيواستيراتيجيا في العالم من أجل زيادة وتيرة التضخم العالمي ورفع أسعار الطاقة، خاصة وأن منطقة الشرق الأوسط العربية، هل المصدر الأول للطاقة عالميا. وبالتالي فإن ما قامت به حماس كان بعلم كل من طهران وموسكو.
ويضاف إلى هذا أن تل أبيب هي الحليف الاستراتيجي الأكثر أهمية لواشنطن من كييف، ومن ثم فإنه من المتوقع أن توجه أمريكا جزء من إيرادات دافعي الضرائب في صورة الدعم العسكري من أسلحة وذخائر إلى إسرائيل بدلا من أوكرانيا، وهذا ما سيضعف كثيرا أوكرانيا في حربها مع روسيا الاتحاد. كما أن السلام المرهون باعتبارات إقليمية بين السعودية وإسرائيل، أدي طوفان الأقصى من جديد إلى إعادة اشتعال النار تحت رماد السلام البارد بين السعودية وإيران، التي تم مؤخرا، حيث عادة الصراع الديني بينها من جديد، خاصة وأن حماس ذراع قوية لإيران في المنطقة. وينتظر خلال الأيام القادمة، موقف حزب الله في لبنان، تجاه إسرائيل، وهل ستحصل على الضوء الأخضر من إيران وروسيا، لتزيد سكب البنزين على النار بين حماس وإسرائيل، خاصة وأن إسرائيل تمر بمرحلة اختلال توزان عسكري غير مسبوقة.
الأمر الثاني، الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن إسرائيل، تقوم استراتيجيتها العسكرية على الحرب الخاطفة، بمعني أن لو شنت حربا فإنها تكون حربا سريعا، لمدة عدة أيام معدودة، لأنها لا تتحمل الحروب طويلة الأجل، خاصة وأنها دولة صغيرة، لا يوجد لديها أي عمق استراتيجي، ومن ثم فإن حماس والفصائل الفلسطينية، نجحت أن تدخل في عمق عدد من المستوطنات الإسرائيلية، وأخذت الكثير من الأسرى الإسرائيليين من المستوطنات، ونقلتهم عبر الأنفاق من إسرائيل إلى غزة.
كان "طوفان الأقصى" بمثابة ضربة مباغتة، لم تفق منها تل أبيب حتى الآن، خاصة وأن العالم الغربي يعلن عن دعمه غير المتناهي لإسرائيل، دون النظر لحقوق الشعب الفلسطيني في الحصول علي دولة مستقلة ذات سيادة، لأن الحل الأمثل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يقوم على أساس الدولتين، بمعني حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإعلان دولة مستقلة عاصمتها القدس "العربية – القسم العربي من القدس".
روسيا الاتحادية تشعر بارتياح معنوي واستراتيجي تجاه "طوفان الأقصى" الحمساوي ولبقية الفصائل الفلسطينية ضد إسرائيل، لأنه سيضعف الدعم الأمريكي والغربي لأوكرانيا، التي يستغلها الغرب كمخلب قطب لتهديد الامن القومي الروسي، نجحت موسكو في أن تشعل نار الأسعار الخاصة بالطاقة والمواد الغذائية في النظام الدولي الاقتصادي، وهو ما سبب حالة من الاستياء وعدم الرضاء الشعبي في العالم كله، بما في هذا شعوب الدول الغربية، التي تعاني شر عناء من ويلات ارتفاع الأسعار بسبب هذه الحرب الروسية الأوكرانية، ثم جاءت الحرب المصغرة لطوفان الأقصى، لتزيد من سوء الأوضاع وتؤثر سلبا علي مستويات أسعار الطاقة والنقل في النظام العالمي.
ويبقي الرهان الفلسطيني والإيراني والروسي، للسعي من أجل إطالة الحرب المصغرة بين حماس والفصائل الفلسطينية المتحالفة معها ضد إسرائيل، من أجل إنهاك ليس إسرائيل فحسب بل والولايات المتحدة معها، والغرب الذي يسير بصورة عمياء وراء واشنطن لاعتبارات أيديولوجية حتى لو كانت غير عادلة تجاه الشعوب أو دول معينة مثلما هو الحال في الحرب الروسية الأوكرانية.