هل تصبح كندا الولاية51 الأمريكية؟ ضغوط ترامب على كندا ... هل تستمر؟ نحبك يا كندا‎ جحيم 2025 في كاليفورنيا ... أكثر الحرائق تكلفة في التاريخ البشري قلنسوة الرازي وابن النفيس لا يُفتي ”موكوس” لمجاهد!! مراكِز رعاية كبار السِّن.. نظرةٌ واقعيّةٌ مُعاصِرة محاكمة ترودو وكل من عاونه على الكارثة‎ ثقيلة هي ثياب الحملان! (قصة قصيرة) (3) هل كان ”أيوب” مثالاً للمسيح؟! لماذا اعتمد يسوع؟ إلى هنا أعاننا الرب

خواطر مسافر إلى النور (٢٢٥)

هل كان ”أيوب” مثالاً للمسيح؟!

"مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به" (عبرانيين ٨:٥)

تتلمذت على يدي أنبا شنودة صغيراً. ثم ارتقيت للتلمذة على يدي الروح القدس المنسكب في الأب متى المسكين منذ بكور شبابي إلى الآن وإلى أبواب ملكوت المسيح في السموات.

وأشهد أني تعلمت أن لا أترك ما لا يقوله هذا الرجل دون أن يشرحه، يذهب دون أن أمسك به ولا أرخه. سمعته يقول شهادته عن أكثر شخصيتين أحبهما الرجل في العهد القديم أنهما يونان النبي وأيوب. ورغم بعض الكتابات القليلة له، والغير كاملة عن يونان النبي، لكنه لم يشرح لماذا بما يكفي شغفي وأسئلتي التي بقيت دون إجابة لما يقرب من خمسين عاماً من البحث لأفهم تناقضات سيرة يونان وفي كل مناسبة لصوم يونان. وأخيراً أستجاب الله لأمانة شغفي بما قاله أبونا الكبير ولم يشرحه بكفاية. فلقد أنفتح تفسير سفر يونان فكتبته في ثلاثة صفحات منذ ما يقرب من عشرة سنوات.

وفي هذا الأسبوع فتح القدير طاقة نور لأري لماذا كان حب أبونا الكبير لشخص أيوب. وذلك من خلال الهذيذ بالروح في آية الكتاب عن شخص الرب يسوع المسيح.

"مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به" (عبرانيين ٨:٥)

ثلاث شخصيات ينطبق عليهم بوجه ما تعبير "مع كونه إبناً":

+ يسوع المسيح: هو ابن الله الوحيد الجنس للآب ، وله كل مجد الله منذ الأزل ومن قبل ظهوره في الجسد.

+ الشيطان: عندما كان ملاكاً أعطاه الله الرئاسة في المجد قبل سقوطه.

+ آدم الأنسان الأول: خلقه الله علي صورته ليكون علي شبهه.

+ أيوب: كان رجلاً كاملاً أمام الله وأنعم الله عليه بكل بركات السماء والأرض ” كان رجل في أرض عوص اسمه أيوب. وكان هذا الرجل كاملاً ومستقيماً، يتقي الله ويحيد عن الشر“ (أيوب ١:١).

الشيطان سقط، وآدم الإنسان الأول سقط. لكن لم يسقط أيوب ولا يسوع ابن مريم.

منح الله آدم الأول كل نعمة تحفظه وتثبته وتنميه نحو الاتحاد بالله لو تمسك به فيصير على شبهه، ولكنه سقط.

كذلك منح الله أيوب كل نعمة، إلا انه لم يسقط رغم تجربة فقدانه كل عطايا الله له، لأنه لم يتخلى عن نعمة تمسكه بشخص الله نفسه.

يسوع المسيح" ابن الإنسان" جاز الألم بما هو أعظم من مثال أيوب بمقدار فرق قبول إخلاء المجد لِمن هو الله وقد ظهر في الجسد (يسوع المسيح) ولِمن هو أنسان بار (أيوب). فكلٍ منهما، يسوع وأيوب، جاز إخلاء المجد الذي له قبلاً، ولم يسقط.

فهل كان أيوب مثالاً للمسيح في هذا!

حاول الشيطان أن يبرر سقوطه بالادعاء أن سبب سقوطه ليس في الشيطان ولكن لأن مخلوقات الله ليست خيِّرة أو صالحة إلا بسبب خيرات الله لها ليس إلا. فإذا سُحِبَت منهم الخيرات سيبتعدون عن الله. وبذلك فسقوط الشيطان لا يختلف عن غيره من المخلوقات من حيث أن طاعة المخلوقات لله هي بسبب عطاياه، وليس بسبب ارتباط كياني داخلي بين الله والخليقة يتفوق علي العطايا والنعم عليه: ” فقال الرب للشيطان: «هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؟ لأنه ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر».

فأجاب الشيطان الرب وقال: «هل مجانا يتقي أيوب الله؟ أليس أنك سيجت حوله وحول بيته وحول كل ما له من كل ناحية؟ باركت أعمال يديه فانتشرت مواشيه في الأرض. ولكن ابسط يدك الآن ومس كل ما له، فإنه في وجهك يجدف عليك» (أيوب ٨:١)

لقد كان أيوب ويسوع المسيح مثالين يدحضان افتراء الشيطان في تبرير سقوطه.

فكلاهما احتفظ بطاعة الخالق برغم الألم الذي حاق بكلٍ منهما، مع التحفظ أن المشابهة بينهما هي رغم فارق إخلاء المجد كما قلنا .

والتعبير بكلمة "تَعلَّم" هي لتؤكد حقيقية الحدث وواقعيته أنه تمَّ تاريخياً في سيرة كلٍ منهما وبرهنت على الطاعة. أي أن كلاً من أيوب ويسوع الذي هو المسيح كان إنساناً معرَّضاً للآلام والتجربة، ومن الممكن أن لا يطيع وبالتالي السقوط كإنسان. وربما هنا يجدر التوضيح أن قابلية السقوط لم تكن لتنطبق علي المسيح كونه ”أبن الله“ لان طاعته جوهرية للآب وهو القدوس كأبيه. ولكن بكونه أنه أيضاً يسوع ”أبن الإنسان“ الذي شابهنا في كل شيء كإنسان، وإلا لما أستطاع الشيطان أن يجربه ”ثم أُصعِد يسوع إلى البرية من الروح ليجرب من إبليس فبعد ما صام أربعين نهارا وأربعين ليلة، جاع أخيرا. فتقدم إليه المجرب وقال له:“ (متي ٤).

قلنا بادعاء الشيطان أن خليقة الله تحبه وتطيعه بسبب عطاياه أساساً، فإذا فقدها تركت الله. وهذا هو السقوط الذي حدث للشيطان ولآدم الإنسان الأول. وبالتالي فلماذا التمييز ضد الشيطان وليس ضد الإنسان!

معروف أن الخسارة هي ألم. ومعروف أيضاً أن الحكيم يختار أن يتمسك بمصدر النعمة وليس العطية في حد ذاتها.

هنا تبدأ ملامح تفسير الآية: " مع كونه ابناً، تعلم الطاعة مما تألم به“ ( عب ٨:٥)

معروف أن مِن صفات الابن الحب والطاعة لأبيه. فليس هناك احتياج لتعلم هذا لأنه يولد به.

- هكذا علاقة الشركة الأزلية في الله الواحد الثالوث بأقانيمه. فالحب المطلق هو سبب التطابق المطلق للمشيئة والإرادة بينهم، وهذا هو أساس قول المسيح "أنا والآب واحد"، "أنا في الآب والآب فيَّ"، "لأن مهما عمل ذاك (الآب) فهذا يعمله الابن كذلك“( يو١٨:٥).

لذلك بدأت الآية عن طاعة يسوع المسيح لله الآب هكذا "مع كونه ابناً“. لكي يفرغ من شرح ما قلناه عن شركة الثالوث المطلقة في الحب واتفاق المشيئة والإرادة (أي الطاعة).

وبالتالي فإن تكملة الآية بعد عبارة "مع كونه ابناً“، هي بخصوص شخص الرب من جهة أنه "ابن الإنسان" يسوع الذي وُلِدَ من العذراء مريم، وعن حبه وطاعته لله كإنسان.

الآية تستعلن أن الألم هو مدرسة، وأن للألم دورٌ في تنقية الطاعة في العلاقات لتكون علي أساس الارتباط بشخص المُعطِي وليس بعطيته في حد ذاتها.

مدرسة الألم ليست لحظة بل هي مسيرة لتأصيل الطاعة على أساس حب العاطي قبل العطية. هذا نفهمه من تعبير "تعلَّم“ كما قلنا. وربما نفهم ذلك عن الطاعة في الإنسان يسوع من قول الوحي المقدس عنه "وكان الصبي ينمو ويتقوى بالروح، ممتلئا حكمة، وكانت نعمة الله عليه" (لوقا ٤٠:٢) دونما أي فترة لعثرة أو إخفاق يُنسَب إلى ناسوت المسيح.

لم يحدث أن أختبر الشيطان أو آدم الأول الألم قبل السقوط، ولكن بعد السقوط. فصار الألم مدرسة ذات منهج ينقي الاهتمام والحب والطاعة لتكون نحو شخص المُعطِي وليس عطيته بالضرورة.

ومعروف أن الضيق هو حالة الساكنين في أرض هذا العالم المتغربين عن شخص الله صانع الخيرات ”في العالم سيكون لكم ضيق“. هذا الضيق هو حال الشيطان ”رئيس هذا العالم“ بعد السقوط إلي الأرض (العالم)، وحال الإنسان ذرية آدم بعد السقوط والتغرب عن الله في هذا العالم .

أمام هذا الضيق والألم أختلف موقف الأثنين: فالإنسان تأوه متطلعاً إلى افتقاد الله له في يسوع المسيح ”وأضع عداوة بينك (الشيطان الحية القديمة) وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه» (تكوين ١٥:٣)، أما الشيطان فقد دخل في تحدي مع الله كما شرحنا عاليه .

جاءت سيرة ”أيوب“، كإرهاصة ومِثال لما أعدَّه الله لذرية ” آدم الإنسان الأول“ من خلال ”آدم الثاني يسوع المسيح“ عن ”تعلم الطاعة مما تألم به“، بحيث :

+ يتنقى اختيار الإنسان ليكون اختياره شخص الله قبل عطاياه ،

+ ولكي يتحول الألم الذي وضعه آدم - وليس الله - علي نفسه وعلي ذريته بالسقوط، يتحول من خسارة إلي أكيل مجد يفرح به الإنسان عندما يجوزه ويده في يد يسوع الذي تألم لأجلنا ”وفيما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين“،

وربما تظهر تلك الحقيقة في شهادة أيوب بختام السفر الذي حكي سيرته مع الرب إذ قال ”بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني“(أيوب ٤٢:٥). والفرق بين السمع والرؤية هو اختبار حياة الشركة الذي جازه أيوب في شخص العاطي، بعد أن كان فقط يعرفه من بعيد عن طريق عطاياه وليس شخصه.

فشهادة أيوب كانت اختيارا لصلاح تدبير الرب له أن ”يتعلم الطاعة مما تألم به“ عن أن يظل فقط ”ليس مثله في الأرض، رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر“ قبل تجربة الألم .

ملحوظة: ما جاء في هذا البحث لا يُحسَب على أحد ولا علي أبونا الكبير بل يحب على كاتب المقال... هليلويا.. والسُبح لله.