الدعوة للجميع ... من يقبل
الله يحترم حريتنا ولا يفرض علينا نعمته قسراً، فبقدر تجاوبنا وبكامل حريتنا مع هذه النعمة بقدر ما نأخذ قوتها، هكذا يتعامل الرب، يهوة اسمه، معي ومعك يتعامل معنا ككائنات حرة خلقها على صورته ومثاله، وهكذا تعامل الرب مع الشعب في القديم عندما طلبوا بإلحاح من صموئيل النبي، قائلين "أَعْطِنَا مَلِكًا يَقْضِي لَنَا"(1صم ٨ : ٦) فكانت ردة فعل الرب غريب في نظرنا نحن إذ صدق الرب على طلبهم ولكن كانت إجابته لصموئيل في غاية الوضوح، أنهم رفضوني انا كملك، لك أن تتخيل أننا في طلبنا لآخر يتسلط ويملك على حريتنا وحياتنا أيا كان هذا الآخر سواء كان شخص ما أو فكر أو شهوة ما....، فهذا رفض للرب نفسه، وهنا تتضح شخصية الرب وتعامله معنا بالنعمة، وان الله لا يقف مكتوفي الأيدي أمام طلبنا وحريتنا!! فاختار لهم الرب ملكا بحسب فكرهم. اختار لهم "شَاوُلُ، شَابٌّ وَحَسَنٌ، وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحْسَنَ مِنْهُ. مِنْ كَتِفِهِ فَمَا فَوْقُ كَانَ أَطْوَلَ مِنْ كُلِّ الشَّعْبِ". (1صم ٩ : ٢)، و في اختيار شاول كأول ملك يملك علي الشعب أكثر من أمر هام نود أن نشير لهم في عجالة سريعة:
الأول: اهتمام هذا الرجل واتجاه قلبه يتضح وضوح كامل في بحثه عن «الأُتُنُ الضَّالَّةُ» (1صم ٩: ٢٠) أنه يبحث عن حمار ضال، اهتمامه كان فيما لنفسه وما يملك وما تراه عيناه، ورغم محاولات رجل الله صموئيل معه، فقال له أرفع عينيك من على نفسك ومن على ما تراه إلى ما هو أعمق، "وَلِمَنْ كُلُّ شَهِيِّ إِسْرَائِيلَ؟ أَلَيْسَ لَكَ وَلِكُلِّ بَيْتِ أَبِيكَ؟" عزيزي القارئ كف عن انحصارك في نفسك، أليس لك كل ما هو للرب ألم يعطيك الرب كل شيء بغني للتمتع؟! لماذا تنحصر في حمارك المفقود وتلهث باحثا عنه وفي يديك ومعروض لك ما هو أعظم أن تملك مع الرب في مُلكه إلى الأبد ...
الثاني: عدم إدراكه للنعمة المعطاة له وتقوقعه في نفسه إلى حد وصل إلى جذر معظم المشاكل وسبب رئيسي في تعثرنا في حياتنا الروحية، ألا وهو صغر النفس.
والروح القدس يشير ويركز في أكثر من مرة وحدث لهذا العائق المرير في تقدمنا ومسيرتنا الروحية، نجد إشارة واضحة في سفر الخروج عندما أراد الرب أن يخرج الشعب من ارض مصر (أرض العبودية) وأرسل لهم موسى، يقول الوحي المقدس انه "وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ، وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ". (خر ٦: ٩)
إنها صغر النفس أيضاً التي عملت في شاول الملك عندما بدأوا يبحثوا عنه، تخيل عزيزي أين وجوده «هُوَذَا قَدِ اخْتَبَأَ بَيْنَ الأَمْتِعَةِ». (1صم ١٠: ٢٢) مختبأ بين الأمتعة؟! إنها صغر النفس التي مازالت تعمل في كل لم يصدق المكتوب والحق المُعلن له شخصيا في كلمة الحق. بانه ملك في ملكوت ابن محبته!!
الثالث: أنه الأمر الأهم إلا وهو الرب في المشهد، ويتضح أن الله يتعامل معنا من منطلق شخصيته، من منطلق نعمته وليس بناء على رد فعل لأفعالنا، أنه الرب، يهوه اسمه، ملك ملوك وليس عبيد، فاختار الرب لهم بنفسه ملكا ومسحه وأراد له أن يملك على الشعب باسم الرب ويفعل شريعته، وأعطاه الرب قلبا أخر وحل عليه روح الرب وتحول شاول إلى رجل آخر .....
وهنا إشارات واضحة تحمل معنى الظل والمثل لما حدث لنا في المسيح يسوع في العهد الجديد، وسنشير إلى الاختيار هنا ونستكمل في الأعداد القادمة - إن شاء الرب وعشنا- في العهد الجديد يقول الوحي المقدس في رسالة افسس آية محورية في الإيمان المسيحي «كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ» (أف ١ : ٤) أن الله اختارنا في المسيح يسوع قبل تأسيس العالم، الكل مدعو والكل مختار من الرب... ولكن ماذا عن اختيارك أنت قارئ العزيز هل تدرك هذه الدعوة أن الذي خلصك دعاك أيضا في نفس اللحظة، وكل هذا حدث قبل الأزمنة الأزلية أي بدون تدخل بشري منك حسب الآية «الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ» (2تيمو ١ : ٩)
إذن خلاصك ودعوتك واختيارك معروضين لك في المسيح يسوع وعلى حساب النعمة وعمله على الصليب، لكن يتوقف الأمر على قبولك لهذا الخلاص وهذه الدعوة وهذا الاختيار والسلوك بحسب مقوماتهم أي العمل بالكلمة والوصية، فهل لك أن تقبل بكل القلب وتسلك في كل ما تممة لك الرب وتتمسك بالحق الإلهي في الأعمال التي صنعها واعدها لك الملك من قبل تأسيس العالم وتعيش كملك في مملكته ... «يَا رَبُّ، تَجْعَلُ لَنَا سَلاَمًا لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا». (إش ٢٦: ١٢)