الحرب الخفية بين أمريكا وإيران عبر الحوثيين في اليمن
لا تزال حلقات الصراع الأمريكي الإيراني متواصلة في دوائر ومناطق مختلفة، وزادت حدة اشتعالها في البحر الأحمر قرب الشواطئ اليمين. ولا يتوقف الصراع الأمريكي الإيراني عبر جماعة الحوثيين الشيعية اليمنية الموالية لإيران. مؤخرا عبرت السفارة الأمريكية لدى اليمن، عن إدانتها إصدار الحوثيين - المصنفين عالميا بشكل خاص كجماعة إرهابية - عملات مزيفة بدلا من العملة الرسمية اليمنية. وقالت إنه "من الضروري منع دخول العملة المزيفة إلى السوق". وأضافت أن "تصرفات الحوثيين تهدد بمزيد من الانقسام في الاقتصاد اليمني وتقويض سلامة القطاع المصرفي داخل اليمن، وتعريض التزام اليمن بالمعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب للخطر".
وذكرت السفارة الأمريكية أن "الخيارات الأحادية الجانب التي تؤدي إلى تعمق تجزئة الاقتصاد اليمني والإضرار بمعيشة الشعب لا تساعد على تحقيق السلام". وأكدت على "دعم الولايات المتحدة دور البنك المركزي اليمني في عدن في الحفاظ على استقرار القطاع المالي". في وقت سابق، أعلنت المليشيات الحوثية، إصدار عملة معدنية فئة 100 ريال، تحت مسمى حل مشكلة العملات الورقية التالفة.
في هذا السياق، كتب سيلين جيريت وكيت فوربس في بي بي سي حول تحليل هذا الصراع: لا توجد انتصارات سهلة لتحالف "حارس الازدهار" الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة بمشاركة كل من بريطانيا وأستراليا والبحرين وكندا وهولندا، والذي يهدف وبشكل رئيسي إلى تدمير القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن بغرض حماية الملاحة في البحر الأحمر. لقد نفذت جماعة أنصار الله الحوثية، المدعومة ماليا وعسكريا من إيران، أكثر من ثلاثين هجوما على سفن دولية وتجارية في البحر الأحمر منذ منتصف نوفمبر، ولا يلوح في الأفق أي مؤشر على انتهاء هذه الهجمات.
وفي الجانب الأمريكي، يبدو مسؤولو الدفاع حازمين وعازمين أيضا على تنفيذ أهداف التحالف، حيث قالوا في مؤتمر صحفي في وقت سابق: "نحن على استعداد لاتخاذ المزيد من الإجراءات لتحييد التهديدات أو الرد على الهجمات، وضمان استقرار وأمن منطقة البحر الأحمر وطرق التجارة الدولية". وعطلت الهجمات الحوثية حركة الملاحة العالمية وعمقت المخاوف من أن تؤدي تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط.
ويطرح سيلين جيريت وكيت فوربس سؤالا مهما: هل تستطيع الولايات المتحدة أن تنتصر على الجماعة التي شن عليها تحالف من عدة دول بقيادة المملكة العربية السعودية حربا ــ دون جدوى ــ لمدة تقارب عقد من الزمن؟
في سياق متصل، ورغم الصراع المعلن، إلا أن الغرف المغلقة تعرف اتصالات غير مباشرة، حيث كشف مسؤول أمريكي، لشبكة CNN، عن إجراء محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان بداية العام الجاري وسط تصاعد التوترات في الشرق الأوسط. وتمثل هذه المحادثات أول اجتماعات غير مباشرة معروفة بين الولايات المتحدة وإيران منذ تبادل السجناء بين البلدين في سبتمبر، والذي كان نتيجة سنوات من المفاوضات المضنية غير المباشرة. وقال المصدر إن مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجورك والمبعوث الأمريكي لشؤون إيران أبرام بالي تبادلا رسائل مع مسؤولين إيرانيين بواسطة عمانية، حيث كانوا جميعا في نفس المبنى.
وتناولت المحادثات مجموعة من القضايا، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني وهجمات الحوثيين على السفن الأمريكية في البحر الأحمر. وفي الأشهر الأخيرة، نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية على الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا والعراق وكذلك الحوثيين المدعومين من طهران في اليمن في محاولة لردع الهجمات في المنطقة. وقال المصدر إنه بينما تمت مناقشة المزيد من الارتباطات المحتملة، فإن الجانبين لم يمضيا قدما في عقد اجتماع ثان. يذكر أن صحيفة "فايننشال تايمز" كانت أول من تناولت كشف تلك المحادثات. وطلبت CNN من وزارة الخارجية الأمريكية التعليق، فيما رفض مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض الإدلاء بتصريحات. وكانت CNN ذكرت أن هناك قنوات خلفية غير مباشرة مع إيران لمحاولة ردع صراع أوسع في الشرق الأوسط بينما كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يسافر إلى المنطقة، حيث أوضح للقادة الذين التقى بهم أن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى الصراع يتصاعد ولا تنوي تصعيده.
وتحاول واشنطن تقديم إغراءات لكل من إيران والحوثيين، حيث قالت الولايات المتحدة، إنها تعتزم النظر في إلغاء تصنيفها الأخير لجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن كمنظمة إرهابية؛ حال أوقف الحوثيون، المدعومين من إيران، هجماتهم التي تستهدف السفن المارة في البحر الأحمر والمنطقة المحيطة به. ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن تيم ليندركينج، المبعوث الخاص للرئيس جو بايدن إلى اليمن، قوله للصحفيين: "آمل أن نتمكن من إيجاد مخارج دبلوماسية، بمعنى إيجاد طرق لخفض التصعيد تسمح لنا بشطب التصنيف في نهاية المطاف، وبالطبع إنهاء الضربات العسكرية على القدرات العسكرية للحوثيين".
وبحسب بلومبرج، تشير هذه التعليقات إلى أن واشنطن تعتمد مرة أخرى على الدبلوماسية عقب ضربات جوية استمرت نحو ثلاثة أشهر استهدفت بها منشآت للحوثيين في اليمن. ولم تفلح هذه الضربات في وقف الهجمات بالصواريخ والمسيرات من قبل الحوثيين على السفن التجارية والحربية، رغم أن الولايات المتحدة تقول إنها تمكنت من إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين. وردا على سؤال من بلومبرج، بعد الإيجاز الصحفي، عما إذا كانت الولايات المتحدة بصدد أن تعرض على الحوثيين مقايضة ليوقفوا هجماتهم على السفن مقابل إلغاء التصنيف، قال ليندركينج: "سندرس ذلك بالتأكيد، ولكن لا نفترض أنه أمر تلقائي".
يذكر أن الدول الغربية لا تتوقف عن ضرب الحوثيين، حيث نفذت طائرات وسفن وغواصات أمريكية وبريطانية ضربات في أنحاء اليمن ليلا على أهداف لحركة الحوثي المتحالفة مع إيران ردا على هجمات تنفذها الحركة على سفن في البحر الأحمر في تطور يمثل توسعا لتداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة.
هذا وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات تتعلق بمكافحة الإرهاب على من وصفتهم بوسطاء ماليين وتجاريين للحوثيين في اليمن وفيلق القدس الإيراني وجماعة حزب الله اللبنانية. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان إن العقوبات تستهدف ستة كيانات وفردا وناقلتين متمركزتين أو مسجلتين في ليبيريا والهند وفيتنام ولبنان والكويت مشيرة إلى أنهم شاركوا في تسهيل شحنات السلع والمعاملات المالية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في بيان “سنواصل استخدام الأدوات المتاحة لدينا لاستهداف أولئك الذين يشحنون البضائع غير المشروعة لصالح الجماعات الإرهابية”. وقالت وزارة الخزانة أيضا إنها فرضت عقوبات على 11 فردا وكيانا يدعمون نظام الرئيس السوري بشار الأسد من خلال “تسهيل التحويلات المالية غير المشروعة والاتجار بالمخدرات”. ولا تزال حلقات الصراع الأمريكي الإيراني في دوائر جغرافية متنوعة ومنها البحر الأحمر وجماعة الحوثيين مستمرة وغير متوقفة.