A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

”عم فلي الجميل” ... مفتقد كلامك الحلو

"عم فلي الجميل"، هو الاسم الذي كان ولا يزال يطيب في نفسي وقلبي أن أناديه وأتذكره به. كان هذا الرجل مزيج من الحنان والحسم، الأبوة والطفولة المستترة، ولد وشب ونضج ما بين أسيوط والإسماعيلية ثم في نضجه وشبابه استقر وتزوج في الجيزة. كان "عم فلي الجميل"، قد تيم وهو صغير في سنة الخمس سنوات تقريبا، مما حمله عبء أن يتحمل المسؤولية مع أمه السيدة الأصيلة، فيكتوريا، التي رفضت أن تتزوج وهي في شبابها، وكرست حياتها لتربية أبنائها الأربع 3 صبيان وبنت. كانت أرملة أصيلة بذلت كل ما في وسعها، لتربي أبنائها الأربعة ليكونوا سندا لها بعد أن جارت عليها الحياة، واختطفت زوجها نظيم وهما في ريعان الشباب.

كبر الأطفال الأربع، وتزوج كل منهم وأنجح، وكل منهم نجح بطريقته في الحياة. كان "عم فلي الجميل" عاشقا للحديث مع أبنائه وبناته. كان يعشق الحديث عن طفولته بصورة مشوقة للغاية، كان يريد أن ينقل لنا خبرته وتراكم تجاربه الحياتية. كان يسعده كثيرا أن ننصت إليه باهتمام، حتى لو كنا أطفالا صغار. ولم يفارقه هذا التقليد الجميل حتى بعد أن كبرنا، وسافر فينا من سافر للخارج، وبقي فينا من بقي. ولم يتوقف "عم فلي الجميل" عن حكايته ونصائحه. كان دائما يبدأ حديث بأن "الحياة علمتني" لأنه لم يكن لديه حظ وافر من التعليم بسبب اليتم الذي كان منه، ولذا كل ما كان ينقصه عوضه مستثمرا في أبنائه الذي حصلوا على شهادات عليا، وبعضها من كليات القمة في مصر، وبعضهم من درس في جامعات أوربية وغربية.

كان "عم فلي الجميل" يزرع في أولاده أهمية الطموح، وألا تنظر إلى ما في يد الآخرين، بل عليك أن تحدد ما الذي يرضيك. كانت بوصلته في الحياة الإنجيل، كان عاشقا لقراءة الإنجيل عامة، ومزامير الملك والنبي داوود. بفضله، عشقت هذا الاسم، وأطلقته على أحد أبنائي. كان داوود بالنسبي له، هو "عم فلي الجميل"، الذي كان يتمتع بقلب طيبا وحنونا، رغم أنه كان جادا وحادا في بعض الأحيان بفضل يتمه، وأن نصج وكبر دون أن يعرف معني سلطة الأب. كان "عم فلي الجميل" يكرر لكل أولاده "انجحوا .. واللي عايز عين من عنيا .. أديهاله عن طيب خاطر".

أعمل وأدرك أن كل الآباء المحترمين، الطيبين، في وصورة أو أخري، هم "عم فلي الجميل"، لكن والدي، شأن كل واحد بالنسبة لأبنائه، كان حالة خاصة متفردة. كان يعشق أن يعطي النصيحة، كان يري أن يريد أن يرانا ناجحين، حتى وإن كانت نصائحه تزعجنا بعض الوقت، لكنها طريقته في التعبير عن عشقه وحبه لنا.

تعملنا مع عم فلي الجميع، الثقة في الزوجة بصورة مطلقة، حيث كانت أمي هي الأخرى يتيمة، منذ الصغر، فوضعا معا مبدأ جميلا لا يفارق مخيلتي، أن كل منهما ليس زوج وزوجه فحسب للآخر، ولكن كل منهما يمثل العائلة وكل شيء بالنسبة للآخر. كان أبي رحمه الله، رجلا محبا لقراءة الإنجيل والصلاة، ويطيب إلى قلبه أن يلمنا حوله، لنقرأ الكتاب المقدس، حتى لو سيطر الضيق على بعض منا، لأننا كنا صغار لا ندرك بعض أمور النعمة، ولكن عندما كبرنا وأدركنا، استوعبنا الدور العظيم الذي كان يلعبه أبي ليحببنا في كلمة الله، والالتفاف حول قراء كلمته الحية في الكتاب المقدس.

كان أبي رحمه الله، بعد أن سافر للسماء في 20 مايو عام 2020، ينطبق عليه كل ما قاله الشاعر، حسين العبد الله، عندما قال: لو أمطرت ذهبا من بعد ما ذهب .. لا شيء يعدل في هذا الوجود أبا. فعلا، بعد سفرك يا عم فلي الجميل، لم تطب نفسي للاستماع إلى نصائح أحد مثلما كانت اعشق الجلوس بجانب والاستماع لك، ولنصائحك.

كان عم فلي الجميل في نصائحه، يعطيني حرية الاختيار، بمقولته الشهيرة لي "يا حبيبي .. اسمع كلامي .. ولو معجبكش .. ارميه البحر". فأخبره طالما أنني سأرميه البحر، ليه تتعب نفسك بقي. فكان رده: إذا ما كنتش أتعب عشان خاطرك وخاطر عيالي أتعب عشان خاطر مين، يا أبني انا يا ما الحياة علمتني وحطت عليا، استفد من اللي أنا مريت به، عشان تكسب وقت". وعندما كنت لا أوفق أو أفشل في موضوع ما، وأعود للمنزل متضايقا، وتحاول الحديث معي، وأنا ملتزم الصمت، كنت تقول لي ووجهك مبتسما "لا تستعجل إنها إرادة الله ... ربنا شايل لك الخير قدام". يا الله على كلمات، الجميلة، التي لم استوعبها، إلا بعد أن كبرت ونضجت، وأصبح لدي أبناء وبنات.

كبرت، وأصبح شريط الذكريات والحكايات مع عم فلي الجميع يدور في مخيلتي وذهني، وأتذكره نصائحه، التي أفادتني كثيرا في حياتي عندما تزوجت ونضجت وأنجبت، علما بأنني وقت الشباب والمراهقة، كان التمرد والجدال والنقاش السفسطائي هو سبيل للاستعراض. واكتشفت أن كل ما كان يقوم به عم فلي الجميل، أكرره مع أبنائه وبناتي. مع إضافة مهمة أنني أحاول أن أستفيض في شرح سلوكيات تجاه أبنائي وسبب ومعطيات نصائحي لهم، حتى يتوفر مجال ومسببات أكثر للتفكير فيها أقوله لهم.

وأذكرهم دائما، بتمردي واستعراضي بالكلمات مع أبي، عم فلي الجميل، لعل يتعظون من الدرس، خاصة وأنني كثيرا ما أشعر برغبة في البكاء، بل وأبكي فعلا، حسرة على أنني لم أقضي أطول وقت ممكن مع أبي رحمه الله، الذي غرس فيها الاعتماد علي الله والذات، وعدم انتظار الغير، التمسك بكلمة الله الحية وقراءة الكتاب المقدس، عندما نجرح من بيت الباب نقول "يا الله العظيم الأبدي، كما كنت ما داوود في دخوله وخروجه، كن معي في دخولي وخروجي".

في ذكري انتقال أبي، عم فلي الجميل، الذي كان يحب أن يسمع مني هذه الجملة، كل مرة أنادي عليه فيه، أحب أقولك يا أبي، افتقدك يا عم فلي الجميل، وافتقد الجلوس بجانبك على الكنبة، تحكي له في كل الموضوعات، وانا استمع إليه، وأنت مبسوط من تواجدي بجانبك، وخاصة في الأوقات التي كنت أعود فيها إلى مصر إلى الزيارة. أبي اشتاق إليك كما يشتاق العليل إلى الدواء، والزرع إلى الماء، والإنسان إلى الهواء.

عم فلي الجميل، لا أجد أحلي ما قاله الله لداوود، لأني أري في قلبك وحديثك عن ملاك الرب الذي حال حول خائفيه: "وجدت داوود بن يسي رجلا حسب قلبي، الذي يصنع كل مشيئتي". وكما قال الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي في قصيدته "أبى": طوى بعض نفسي إذ طواك الثرى عنى، وذا بعضها الثاني يفيض به جفنى. عم فلي الجميل.. أعرف أنك تسمعني .. أشتاق إليك وأشتاق إلي كلامك ونصائح .. وطلبك الجميل مني أن أقوم أعمل شاي لك ولي .. كم كنت ولا تزال يا جميلا يا أبي .. يا عم فلي الجميل.