غضب الشباب يتصاعد بتونس.. فهل يتكرر سيناريو ”ثورة الياسمين”؟ بطرس غالي من «الدفاتر القديمة» إلى المشهد الاقتصادي المصري التوتر مستمر مع مصر.. إثيوبيا تصعد بتحرك عسكري جديد في الصومال مرض أسوان الغامض.. تضارب في أرقام وزير الصحة ورئيس الوزراء.. والمحافظ: الأمور تحت السيطرة تعديلات على إجراءات منح الإقامة الدائمة في كندا إهانات بين بوليفير وسينغ في البرلمان ترودو يعين أنيتا أناند وزيرة للنقل المحافظون يفوزون بانتخابات شرق أونتاريو اعتماد تقنية أمنية جديدة في مطارات كندا ارتفاع معدلات الجريمة في أكبر مدن كندا خرافة التيجاني والعقل البتنجاني هل يحسم اليهود والمال والإجهاض سباق الرئاسة بين ترامب وهاريس؟

مانويل روماسانتا ... المستذئب الذي صنع صابونا من شحوم ضحاياه وأرعب أسبانيا!

ولد مانويل بلانكو روماسانتا في مدينة غاليسيا الإسبانية في 18 نوفمبر عام 1809. كان روماسانتا أشقر الشعر ذي ملامح رقيقة وقامة قصيرة، ويعتقد بأنه وُلِد لأبوين حالتهم المالية جيدة لكونه كان متعلما وهذه ميزة نادرة في ذلك الزمان لم يكن يحظى بها سوى أبناء الذوات. وكان أحد أبنائهما الخمسة.

في الحقيقة المعلومات متضاربة حول نشأت مانويل، حيث اختلطت الحقيقة بالأسطورة في سيرة حياته، لكن المعلوم أنه كان يعاني عند ولادته من عيب خِلقي دفع والديه إلى الاعتقاد بأنه فتاة. وخلال السنوات الست من بداية حياته، سُميّ بمانويلا، ما يعني أنه عومل طيلة هذا الوقت معاملة الفتاة.

بعد مرور سنتين، فطنوا لأن لديه حالة تخنث أو (Hermaphroditism)، ومنذاك بدأت المشكلات تتخلل حياته.

يقال إن عضوه التناسلي كان أنثويًا، لكن جسمه كان يُفرز الهرمونات الذكرية بكميات وفيرة ما جعله طفلًا شديد العنف. ولم ينل مانويل حظّه من الاهتمام من أبويه، مع ذلك تفوّق في دراسته وتعلم القراءة والكتابة في سن مبكّرة.

عندما بلغ مانويل منتصف فترة مراهقته، كفّ جسمه عن النمو، ويُقال إن طوله لم يتجاوز المتر و40 سنتمترًا.

على الرغم من كل هذا، عاش روماسانتا عيشةً طبيعية فقد امتهن الخياطة وأقبل على الزواج وهو في الـ 22، لكن لم يدم زواجه كثيرًا إذ ماتت زوجته عام 1833 .. أي بعد عام من الزواج.

قرر روماسانتا تغيير عمله حيث أصبح بائعًا جوّالًا، وشق طريقه خلال إسبانيا وكذا في البرتغال ثم اشتغل مرشدًا في جبال قشتالة.

في عام 1844 انقلبت حياته رأسًا على عقب عندما اتهم بقتل رجل أمن من ليون يدعى فينسن فرناندز وكان يروم استرجاع دين من مانويل لصالح مُوَرّد في بونفارادا عندما اختفت آثاره لفترة قبل أن يتم العثور على جثته وتم اتهام مانويل بقتله. وعقب ذلك، همّ مانويل بالهرب مُستخدمًا جواز سفرٍ مُزيّفًا باسم أنطونيو غوميز. وعُقِدت جلسة محاكمته بغيابه وحُكم عليه بعشر سنوات سجنًا وعاش بالتالي فارًا من العدالة.

استمر مانويل بالعيش مسافرًا، وبعد عام وبواسطة جواز برتغالي مزور ظهر مجددا وعاش بين الناس تحت اسم انطونيو غوميز.

كان مانويل سريعًا في تكوين الصداقات خاصةً مع نساء المنطقة، وهذا أثار استغراب الرجال، خصوصا أن مانويل كان يساعد النساء في أعمال الطبخ والتنظيف والغزل ببراعة وكان من غير المألوف أن ينهمك رجل في أعمال كهذه.

وبعد فترة، وبعد أن كسب ثقة سكان المنطقة، عاد ليستأنف عمله السابق كمرشد في الجبال. وغالبا ما كان يتم إرسال النساء والأطفال معه لإيصالهم إلى مدن أخرى من اجل زيارة عائلاتهم أو الهجرة.

وكان دائما ما يعود ومعه رسالة من الأشخاص الذين أوصلهم موجهة إلى ذويهم يقولون فيها أنهم وصلوا إلى وجهتهم بسلامة ويشكرون في مانويل. وطبعا في ذلك الزمان، وفي غياب وسائل الاتصال الحديثة لم يكن من الممكن التحقق من صحة هذه الرسائل ولا التأكد من أن الأشخاص الذي بعثوها قد وصلوا حقا بالسلامة إلى وجهة سفرهم.

لكن بعد فترة بدأت الشكوك تحوم حول مانويل، خصوصا عندما شوهد يبيع ثيابا في السوق تعود لبعض النساء والأطفال الذين كان مكلفا بإيصالهم.

وزادت هذه الشكوك بعد أن تبين أن بعض الذين كان مانويل مكلفا بإيصالهم لم يصلوا لوجهتهم مطلقا واختفوا تماما.

لاحقا تم العثور على بعض الجثث في الجبال، عُثر عليها مُشوّهة بشكل وحشي إذ لم يتمكن أحد من التعرف على هوية الجثث حتى عائلاتِ الضحايا. وكان السبب الرئيسي لتشوه هذه الجثث هو قيام القاتل بالعبث بالجثث لجمع جميع الشحم الموجود فيها.

كل هذه الأمور جعلت الناس تشك في مانويل، وتم إبلاغ الشرطة ليتبين بالتحقيقات إن الكثيرين ممن رافقهم مانويل كمرشد خلال السفر كانت قد اختفت آثارهم للأبد فتم إصدار اتهام رسمي له عام 1852.

وسرعان ما سرت في أن مانويل كان يستعمل شحم الضحايا ليصنع به الصابون وينتهي به الأمر ببيعه، فأطلق عليه الناس اسم "ساكامانتيكاس" وهو يعني صانع الشحم بالإسبانية.

وفي سبتمبر من نفس العام اعتُقل مانويل في مدينة نومبيلا ونُقل فيما بعد إلى بلدة أولاريس وحوكم بقتل 13 شخصًا. وكان يبلغ من العمر 43 في بداية المُحاكمة حيث أقرّ بكل جرائمه.

والمُدهش في الأمر أنه ادعى أنه لم يكن مسئولا عن أي من جرائمه. قال إن لعنة أصابته، وكانت تُحوّله إلى ذئب، وأن أول مرة تحوّل فيها كانت في الجبال، حيث خرّ ساقطًا وأخذ جسمه يهتزّ ويرتعش وطفق يتدحرج يمنة ويسرى، وظلّ متحولا لمدة 5 أيام.

ادعى أيضًا أن شخصين آخرين كانا معه حينها، وأنهما تحوّلا أيضًا مثله، وأن الاثنين كانا اسماهما أنطونيو ودون. وأن كونه ذئبًا دفعه إلى الانقضاض على الأشخاص وافتراسهم.

وأُذكّرك عزيزي القارئ أننا نتحدث عن القرن الـ 19، أي عصر المجاعات واستفحال الأمراض علاوة على رسوخ الجهل، فالجميع سيُصدّق حكايته. مع ذلك قوبلت قصته بالتكذيب من قبل القاضي وكذلك المدعي العام الذي طلب منه أن يتحول أمامهم ليثبت لهم ما يزعم. لكن مانويل دافع عن نفسه بحجة أنه لم يعد يمكنه ذلك بعد أن لازمته اللعنة طيلة 13 سنة.

اكتشف فيما بعد بالتحقيقات أن 4 من الضحايا قتلتهم الذئاب بيد أن بقية الجرائم كانت من فعل إنسان فأدين بها مانويل.

دامت المحاكمة 9 أشهر وخُتمت في الـ 9 من أبريل عام 1853 وحكم على روماسنتا بالإعدام.

لكن بعد فترة أرسل رجل اسمه فيليبس برسالة إلى وزير العدل الإسباني فحواها أن مانويل كان يعاني من متلازمة نفسية اسمها اللاكانثروبي أو الذئبية حيث يتوهم المريض أنه يستطيع التحول إلى ذئب. وادعى فيليبس أنه بوسعه علاج مانويل باللجوء إلى التنويم المغناطيسي.

يُعتقد أن فيليبس كان طبيبًا فرنسيًا عاش في لندن حيث نُفي من هناك وعاد إلى بلاده فرنسا.

بعد ذلك، أرسل وزير العدل برسالة إلى ملكة إسبانيا إيزابيلا الثانية طالبا تخفيف الحكم على روماسانتا في عام 1854 بسبب مشاكله النفسية والجسدية ولكي تتم دراسة حالته النفسية والاستفادة منها مستقبلا، فتحول الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد ونقل بعدها إلى سجن في مدينة سالانوفا وتوفي بعد وقت قصير من وصوله إليه ويُقال إن موته كان نتيجة لرميه بالرصاص من قبل أحد السجّانين لرغبته في رؤيته يتحوّل إلى ذئب حسب تفكيره، ويُشاع أيضًا أنه توفي بمرض السّل.

هناك غموض كثيف يحوم حول نهاية مانويل روماسانتا، فالسجن الذي سُجن فيه لم يعد له أيّ سجلّات تُذكر. وقد زعمت جريدتان في عام 2011 بأن مانويل توفي إثر مرضه بسرطان المعدة في 14 ديسمبر من عام 1863.

تبقى وفاة زوجته مدعاة للشكوك، فلا دليل يقطع الشك باليقين بأنه لم يكن مسئولا عن موتها.

قصة مانويل أصبحت في نهاية المطاف جزءًا لا يتجزأ من التراث الشعبي الإسباني، نُسيت قصته خارج حدود إسبانيا لكنه في طياتها يظل واحدًا من أشنع قتلتها المتسلسلين في القرن 19. وقصة مانويل روماسانتا ألهمت عدّة أفلام إسبانيا.