”حماة الإيمان” ... عقول فارغة بضاعتها التشدد
عزيزي القارئ هذا المقال عن بعض المتشددين في بعض الطوائف الذين وقر في ذهنهم أن إله هذا الكون العظيم لا يعنيه في هذا الكون سواهم، وأنه لا يقبل من غيرهم صلاة ولا صوماً ولا عملاً طيباً، وأن تراثهم هو وحده تراث البشرية، هؤلاء الذين احترفوا ارتداء ثوب القديس أثناسيوس الرسول الملقب بــ "حامي الإيمان" فتجدهم قد نصبوا أنفسهم أوصياء على الناس، وعلى إيمان الناس، وعلى حماية العقيدة والعقيدة السمحة الحقة منهم براء!
أكتب هذا المقال عزيزي القارئ بعد أن طفح الكيل من أفعال وأقوال هؤلاء الجوقة التي أفسدت مناخ المحبة وقبول الآخر والتسامح الذي أراده الخالق للبشرية. ولكن دعني أبدأ عزيزي القارئ بصفات حامي الإيمان هذا، أو من يدعو نفسه بحامي الإيمان أو من يريد غيره أن يعتقد أنه حامي الإيمان لهوي في نفسه، حامي الإيمان هذا يا عزيزي القارئ ستجده غالباً شخصاً لا يقرأ ولا يحب أن يقرأ ولا يحب من يقرأ، ستجده شخصاً لا يفكر ولا يحب أن يفكر ولا يحب من يفكر، في الغالب لن تجده قرأ سوي بضع كلمات في كَتيبات صغيرة عما يتشدد له من مواضيع، وستجده أيضاً في الغالب شخصاً حاقداً غضوباً سريع الانفعال، لا يهوي المناقشة ولا يصمد في جدال لأن بضاعته ضعيفة بخسة لا تصمد أمام أفكار الآخرين فهو لا يملك الحجة ولا حنكة الرد ولا أدوات النقاش المتحضر!
في الغالب ستجده يحفظ بضع ردود وادعاءات عن ظهر قلب ولكنه لا يستطيع تفنيدها ولا مناقشتها، ليس عنده مرونة الأخذ والرد والتحليل المنطقي لما يقول لذلك يهرب من النقاش العقلي المتحضر، ستجده أحترف دور الدفاع عن إيمانه وكأن طائفته هي محور الكون!
يعتقد أن إله هذا الكون جاء فقط من أجل طائفته وسلم لها الإيمان وترك باقي البشرية للضياع! وللأسف حامي الإيمان هذا لا يعلم أنه هو بشخصه ولحمه وشحمه ووجوده مثله مثل باقي البشر عبارة عن محض صدفة، ولد ذكراً أو أنثي بالطبع محض صدفة، وولادته في بقعة ما من هذا العالم المترامي الأطراف أيضاً كانت محض صدفة، وولادته في زمناً ما من عمر البشرية كانت محض صدفة، ودينه وطائفته التي ورثها عن أهله أيضاً محض صدفة، فمثلاً نحن كأقباط حاليين لا فضل لنا في كوننا ظللنا أقباط إلى الآن، فلولا أن جدودنا استطاعوا تحمل مشقة التعذيب والاضطهاد ودفع الجزية لما ولدنا فوجدنا أنفسنا أقباطاً على دين المسيحية! فلما كل هذا التشنج والتشدد؟!
عزيزي القارئ سأعطيك مثالاً صاخباً على ما يفعله حماة الإيمان هؤلاء، ففي الفترة الحالية يزور أديرة مصر الأسقف الآشوري مار ماري عمانوئيل، هذا الأسقف الذي منذ شهور قليلة فقد البصر في عينيه اليمني نتيجة طعنة من مجرم متشدد أثناء وعظة في كنيسته في أستراليا، هذا الأسقف الذي بلغ درجة محبته أنه لم ينتظر خروجه من المستشفى حتي يرسل رسالة لمهاجمه الذي طعنه قائلاً له "أنا أحبك وأنا أسامحك"، هذا الأسقف الذي قدم احدي عينيه قرباناً للمحبة والتضحية والتسامح تجد چوقة "حماة الإيمان" هؤلاء يهاجمونه على أساس طائفي ويرفضون حتى زيارته للأديرة، كما نرى سفالات على السوشيال ميديا تجاه هذا الرجل الذي لا يتوقفون عن مهاجمة أفكاره وطائفته!
ومن الغريب أن "حماة الإيمان" هؤلاء لا تجدهم يتحدثون بكلمة واحدة دفاعاً عن قبطي تعرض للإذلال أو التعذيب علي يد السلطة أو على قبطية تم اختطافها على يد من يدين بدين الأغلبية في مصر، نعم هم جبناء عن مواجهة الأقوياء ولكنهم أسوداً على الضعفاء وعلى من يأمنون لهم الجانب!
عزيزي أين كان هؤلاء من قضية سيدة الكرم؟! أين كان هؤلاء من قضية الطفل شنودة؟! أين كان هؤلاء من اعتقال باتريك جورج ورامي كامل وآلاف الأقباط؟! أين كان هؤلاء من الخانكة والكشح ونجع حمادي وغيرها؟! جميعهم صمتوا، ولن تجدهم لأنهم أضعف من أن يتحدثوا! فما أبخس البضاعة وما أرخص كلمات الكراهية التي تخرج من أفواههم تجاه باقي الطوائف!
عزيزي القارئ رسالة السيد المسيح هي المحبة والسلام والتآخي وقبول الآخر، رسالة السيد المسيح للإنسانية كلها دون طائفية ولا تحزب ولا تشدد فما أجملها من رسالة.