”تيتا زوزو”... وحلم الهروب من الجامعة
أتابع بشكل يومي حلقات مسلسل "تيتا زوزو" للفنانة إسعاد يونس، وهو يعتبر من المسلسلات "اللايت" الاجتماعية والكوميدية، ولكنها الكوميديا الهادفة وليست الكوميديا من اجل الضحك، ولكنه من اجل الموقف الحقيقي غير المصطنع. المسلسل يتعرض لمشكلات الأسرة المصرية الحديثة مثل: اهتمام المراهقين المبالغ فيه بالسوشيال ميديا، واكتئاب الأطفال، التنمر، بخل الوالدين وإهمالهم لأبنائهم سواء في المال أو المشاعر، انتحار المراهقين، شعور الأبناء بالدونية، إجبار الأطفال على ممارسة رياضات غير مفضلة لديهم... وغيرهم من المشاكل التي سلط المسلسل الضوء عليها بشكل خفيف لا يظهر فيه التوجيه أو النصائح المباشرة مما يجعل المشاهد يتقبلها في عقله الباطن دون رفض أو نقد.
فهو يقدم السهل الممتنع في عصر قلت فيه تلك النوعية من المسلسلات، حيث إن غالبية المسلسلات العربية للأسف حاليا يكون محورها "بلطجي" أو تاجر "مخدرات" ويجبرنا الكاتب والمخرج أن نتقبله ونحبه وندافع عن مواقفه ومبادئه التي يفرضها الكاتب أيضا بفرض إنها أخلاق الشارع المصري وهي ابعد ما يكون عن ذلك.
نعود لمسلسل " تيتا زوزو"، فالمتابع لحلقات المسلسل سيعرف الصدام الذي ظهر منذ الحلقة الأول بين "عمر" حفيد "زوزو" وبين والده "سيف"، الابن استطاع أن ينجح بمجموع كبير في الثانوية العامة، والده يحاول أن يجبره لدخول كلية الهندسة ليصبح مثل أبيه "مهندس"، الابن رافض لإجبار الوالد ولديه نفس مشاعر رفض تقليد الأب مثلما كان يشعر ابن عبد الغفور البرعين في مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي".
الابن واجه والده بالرفض، ليس رفض دخول الهندسة ولكن رفض دخول أي كلية من الأساس والاكتفاء بشهادة الثانوية العامة ليصبح عازفا موسيقيا، ورغم تنازل والده عن حلمه في دخول ابنه كلية الهندسة في الحلقة الرابعة عشر، وارتضى الأب أن يدخله مضضا وهو عاضض على أسنانه كلية "التربية الموسيقية" إلا أن الابن مازال عند رفضه وعنده، هو يريد عمل فرقة "باند" ليعزف من خلالها ويعيش التجربة الحياتية، ليس لديه أي استعداد لتعلم حتى أصول الهواية التي سوف يمتهنها.
في الحقيقة ورغم ان تصرفه غير مفهوم، ولكنه يمثل جيلا كاملا، خاصة أن المتعلمين من أجيالنا والأجيال التي كانت قبلنا تقدس العلم وتثمن دوره، وترى انه مهما كانت الحياة غير منصفة مع المتعلمين إلا أن التعليم والثقافة تهذب النفس والروح.
فبأي دلالة نراها حولنا نستطيع أن نغير رأي "عمر" وهو يرى غير المتعلمين الذي "لا يفكون الخط" يقبضون بالملايين أمثال حمو بيكا وخلافه بينما الأطباء والمهندسين يكفون بيتهم بالكاد، كيف نقنع شابا مثل ذلك أن التعليم ستستطيع من خلاله شراء شقة وعربية وتلبية احتياجات الأثاث والعرس وغيره، وبعد الزواج التكفل بزوجة وأطفال ومعيشة أدمية، لقد وقف القلم والفكر بينما اكتب انا تلك الكلمات.
لابد أن تنعدل كفة الحياة، لابد أن يثمن العلم والمتعلمين، الهروب من الجامعة وموضة "gap year" ليست حلا على الإطلاق، وان كان المراهق مصرا.. فليمارس هوايته وهو يتعلم.
العلم مفتاح النجاة في تلك الحقيقة من الإرهاب من القيود من التوحد الفكري من الانسياق وراء القطيع، فعليكم بالعلم ثم العلم ثم العلم.