كبار السن.. بين الجنون والتقديس!
هل التخلُّف في تأهيل شخصيَّات "كِبار السن" ظاهِرة في عالمنا العربي فقط أم أنها ظاهِرة عالميَّة عامَّة؟ ولمَ يتم التعامُل مع تلك المُشكلة في مُجتمعاتنا باعتبارها "غير موجودة" رغم ما تتسبب به من أزمات في حياة من يعيشون معهم؟ لماذا لم يتجاوز الوعي المُجتمعي فكرة أن كُل كبير سن "مُقدَّس" رغم الواقع الذي يشهد بالأفعال الجنونيَّة التي يرتكبها بعض هؤلاء في مرحلة عُمريَّة يُفترض أنها شاطئ أمان الحِكمة؟!
رغم تخلّفنا في التأهيل المناسب لشخصيَّات الأطفال، والمُراهقين، والشباب، وصولاً إلى مرحلة مُنتصف العُمر، إلا أن التعامل مع فكرة ضرورة تأهيل شخصيَّات كبار السن مازالَ أشد تخلُّفًا من التعامُل مع المراحل العُمرية التي تسبقها، فهذه المرحلة أكثر حساسية من الاكتفاء بتوفير المأوى والغذاء والدواء وتمارين العلاج الطبيعي، وإن لم يبدأ التأهيل النفسي والسلوكي في مرحلة مُبكرة (قد تبدأ منذ فترة الشباب أو مُنتصف العمر) ستكون النتيجة أعمار كبيرة تتصرف بصبيانيَّة مُخجِلة، تثور لأتفه الأسباب وتستحوذ على كل ما يمكنها الاستحواذ عليه وتنتظر التدليل والتدليع والاهتمام المُستمر من آخرين قد تكون مُعاناتهم في رحلة كفاحهم التي تتعقد يومًا بعد آخر سببًا في جعلهم أكثر استحقاقًا للالتفات والاهتمام.
بينما لو تم الحرص على الوقاية بتأهيل هؤلاء نفسيًا تأهيلاً يؤدي دوره في توعيتهم بالطرق المُثلى لإشغال أوقات فراغهم بما يحفظ قدراتهم العقليَّة ويُساهم في اثراء المجتمع بطريقة أو بأخرى، وتذكيرهم بأن دورهم انتهى في المراحل الماضية مثلما ينتهي دور الطفل في مرحلة ما، والمُراهق في مرحلةٍ تالية، والشاب في مرحلةٍ لاحقة، وحان وقت تأدية دورٍ رزينٍ جديد يليق بالمرحلة الجديدة، دورٌ لا يتسببون فيه بإيذاء أحد ولا يؤذيهم أحد، يكونون فيه مرجعًا لتراكم الخبرات السابقة، ومُستودعًا للحكمة، وأذنًا مُنصتة، وصدرًا دافئًا حنونًا للأصغر سنًا والأقل تجربة.
كثيرٌ من كبار السن في عالمنا العربي يتحوّلون إلى ضحايا لضحالة الوعي المُجتمعي في التعامُل مع تلك المرحلة، فيحوّلهم شعورهم بأن "دورهم انتهى" إلى مخلوقاتٍ شرسة، مُتطلّبة، عنيفة، أنانيَّة، تثير مُشكلات أقرب إلى مُشكلات الأطفال والمُراهقين بهدف اجتذاب الاهتمام ولفت النظر سواء بوعي وتعمُّد أو دون وعي، والمطلوب هو تهذيب هذا "الوعي" لينشغلوا بالإنجاز والإنتاج والاهتمام بأنفسهم بدل تدميرها واستنزاف المُحيطين بهم.
كبار السن ليسوا مُقدَّسين، ولا انبياء، ولا كلّهم "بركَة"، إنهم بشرٌ عاديين بحاجة إلى تهيئة في مرحلةٍ سابقة ليستوعبوا ما لهم وما عليهم، ويجدوا أمامهم طرقًا سهلة مُيسرة لفهم ذواتهم واحتياجاتهم والاعتماد على أنفسهم، وليكونوا سببًا بأقوالهم وأفعالهم في احترام الآخرين لهم بدل المُطالبة باحترامٍ لا يستحقه سلوكهم.
إن كبير السن الاتكالي أو غير المُهذَّب في الحاضر هو طفلٌ ومُراهقٌ وشابٌ لم يتم تهذيبه بما فيه الكفاية في الماضي، فوصل إلى طريق ضياعٍ يصعب التعامُل معه، وصار ينتظر من الآخرين طاعةً لا يرونها جديرة بمثله.