A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

”تنوير” مغناطيسي!!

مصر - الإسماعيلية.. عام 1952، تحت حكم عظمة الملك فاروق المفدى، حبيب الشعب، آخر حبات عنقود الأسرة العلوية.. مانح الخير، واهب المطر، جالب الحبيب ورادد المطلقات..

كانت البلاد تنعم بنعمة الانتداب البريطاني، أشرف وأطهر فئة بشرية وطأت أقدامها المباركة أرض مصر، حيث العدالة والكرامة والإنسانية ... كان الوضع مستقراً.. والأمن مستتبا، وشعب يشعر بالامتنان والثقة والعرفان، أسيرا لجميل واحسانات الإنجليز، متمنياً لو بقي إلى أبد الدهر، تحت حكم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

ولكن لسوء الحظ، ليس دائما ما تأتي الرياح بما تشتهي السفن، فقد خرج فجأة من باطن تلك الأرض أناساً خونة، أهل شر، عملاء.. لم يتسنى لأحد وقتها أن يعرف هم عملاء لمن، ولكن الحقيقة المؤكدة أنهم عملاء.. وللأسف فقد صالوا وجالوا يعيثون في الأرض فساداً وقتلا وتدميرا لمعسكرات ودوريات الجيش الإنجليزي الشقيق.. لا أعرف كيف نبت في وادينا الطيب مثل هؤلاء المجرمين، الذين بادلوا الطيب بالإساءة، الرفق وحسن المعاملة، بالعنف وسوء الأدب.

كل هذا كان في الإمكان تداركه أو افساده.. هكذا حكى لي جدي حينما كان يعمل مع الإنجليز، يؤدي دوره الوطني والإنساني في الإرشاد والتبيلغ والتجسس على هؤلاء المخربين الإرهابيين الذين يسمون أنفسهم زورا وبهتاناً "مقاومة شعبية" وفي قولا آخر " فدائيين" .. لكن ما حدث كان غريبا!! فقد كانت لديهم القدرة على إثارة حماس وشحن المزيد من العامة، وإقناع المزيد من الأهالي بضرورة ما أسموه ببعض المصطلحات العجيبة.. مثل "مقاومة الاحتلال"! .. "الإستقلال"!.."الحرية"!.. حرضوا العمال على ترك أعمالهم في معسكرات الإنجليز، أقنعوا التجار والموردين بأن يمنعوا توريد السلع للإنجليز، ويتركون هؤلاء المساكين جوعى في مهمتهم المقدسة

باءت محاولات كل المخلصين من مثقفين وسياسيين في إقناعهم بأن التحرش أفضل من الاغتصاب، وأن عدد القتلى والمعذبين والمعتقلين من المصريين، طالما بقى في الحدود المعقولة فلا داعي لمثل تلك التصرفات.. ذهبت نصائح شيوخ السلطة أدراج الرياح، بعد أن بح صوتهم وهم يرجون المقاومة أن تجاهد بالسنن، وأن الخروج على الحاكم حرام شرعا ولو جلد ظهرك أو حتى طبق منهج أمراء العصور الوسطى في حق ولي الأمر بالليلة الأولى للعروس .. حتى جاء ذلك اليوم الأسود..

الخامس والعشرين من يناير سنة 1952

استدعى اللواء البريطاني "اكسهام " اليوزباشي "مصطفى رفعت" ضابط الاتصال بمحافظة الإسماعيلية ليتحدث معه بكل أدب ووقار ويسلمه انذار بسيط محترم هادئ النبرة باخلاء مبنى المحافظة والثكنات وقسم الإسماعيلية والرحيل عن مدن القناة كلها ..

وفي تصرف اهوج انفعالي غير محسوب يقرر اليوزباشي "مصطفى رفعت" مع اللواء "أحمد رائف" قائد قوات الشرطة عدم الانصياع لتلك الأوامر ..

وعند هذا التصعيد غير المبرر من الضباط المصريين الذي يمتلك قائدهم الملايين في بنوك فرنسا وسويسرا وتايلاند والسنغال، وباستخدام الحق لقوات الإنجليز في الدفاع عن نفسها وكرد فعل على هذه البلطجة والإرهاب، اضطر الجيش الإنجليزي رغما عنه أن يحرك قواته إلى مبنى المحافظة.. ورغم ظهور عديد من المناشدات من قادة الفكر والرأي والثقافة، والمخلصين من أبناء مصر في المهجر لضباط وعساكر القسم أن يقاوموا مقاومة عاقلة رشيدة سلمية.. أو أن ينسحبوا إلى أقرب ميدان لينظموا وقفات احتجاجية، أو مظاهرات سلمية يرفعون فيها اللافتات وتشاركهم فيها فرق الفنون الشعبية وعروض السيرك والتنورة.

إلا إنهم عاندوا ورفضوا كل هذه الاقتراحات برغم تأكيد السيد أمين عثمان وزير المالية السابق، إن ما بين مصر وبريطانيا لهو زواج كاثوليكي لا طلاق فيه .. فكانت نتيجة هذا العناد هو سقوط 56 شهيد ومئات من الجرحى أعقبها اجتياح الإنجليز لعشرات القرى في مدينة الإسماعيلية بزعم اختباء الفدائيين بها واتخاذهم للمدنيين دروعا بشرية، فدمروها الإنجليز رغما عنهم أيضا وقتلوا عدد كبير من أهلها.. رجال ونساء وأطفال ورضع.. ومنذ هذا التاريخ، لا يمر هذا اليوم على المصريين إلا ويتذكروا تلك الأحداث فيلطموا الخدود ويصبون جام غضبهم على كل من جاهد وقاوم وصمد ضد الاحتلال حتى آخر طلقة في تلك المعركة غير المتكافئة...

** هذا المقال عبارة عن صفحة من كتاب وجدته ملقى قرب كومة من النفايات بعنوان "مذكرات منير الخطير، وحش التنوير" ....وللحديث عن هذا الكتاب القيم بقية ...