دردشة…بالعربي الفصيح:
أين هو الطريق والحق والحياة؟
تختلف مواقع التواصل الاجتماعي اختلافا كبيراً عن وسائل الإعلام التي اعتدنا عليها قديماً! فالإعلام عادة ما يكون موجَّهاً إلى الجميع لتوصيل رسالة ما؛ أما مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والانستجرام واكس وغيرهم تعرضك لأفكار وآراء متضاربة لأشخاص مختلفين؛ بعضهم أصدقاؤك وبعضهم مشاهير، بعضهم رجال والبعض الآخر نساء، منهم شيوخ وشباب ومراهقون!! فلا تكتشف فقط ما يدور في عقولهم من آراء بل تتعرف أيضا على مداخلات من حولهم ومواقفهم من هذه الآراء بما فيهم رأيك أنت شخصياً!
كنا نعتقد أننا من خلال التلفاز والإذاعة والجرائد نستطلع أخبار العالم، لكن العالم الحقيقي الذي بلا رتوش ولا قيود هو مواقع التواصل الاجتماعي؛ فيه الكل يلهث على طريقته سواءً لاستجداء الشهرة أو المال أو الانتباه أو فعل الخير…الخ! فبمجرد تحريك إبهامك أو سبابتك على شاشة محمولك الذكي، ينفتح أمامك هذا العالم المخيف!
تتلاقى فيه مع من يبث الأفكار الغريبة المعثرة في عقول الناس، ومع تلك الفتاة الشابة المسكينة التي لا تكف عن تصوير نفسها في كل الأوضاع وفي كل المواقع؛ وتتصفح أكثر لتجد المتحسر السياسي المهووس إلى حد الجنون، أو أحد معارفك الذي لا يمل من تشييد إنجازاته ونجاحاته لكل من هب ودب.
كما ترى أيضا قريبك البسيط الذي يشارك الناس أخباراً وصوراً مزيفة ظناً منه أنها حقيقية؛ وأخراً اختار أن يعيش دور الناقد الفني في زمن انتهى فيه الفن وانحدرت فيه الأذواق؛ وربما تلتقي بخواطر ركيكة لشابة اشتهرت بأخطائها الإملائية والنحوية الكثيرة!
ويمكن أن تصادف صديق مدرستك القديم المنادي بالعلمانية والليبرالية المفرطة؛ أو أن تجد منشوراً سخيفاً من شخص اعتاد أن يقول الكلمة وعكسها؛ أو تقرأ أيضا لمن يشارك بنكاته ومنشوراته المضحكة، ثم تنتقل بعدها إلى سيدة متدينة، دائمة المشاركة بقصص المعجزات وصور القديسين، لكن للأسف غاب المسيح عن منشوراتها؛ وعلى النقيض، ستقابلك تلك الآراء الهدامة التي تحث على الكراهية والفردانية والخصومة تجاه الناس، وكلهم افتقروا روح الإنجيل!
وقد يستحوذ عليك أيضاً هذا الصديق اللطيف الذي لا يترك صورة لعائلته وأطفاله ومناسباتهم المختلفة إلا ويقوم بمشاركتها ليلاً ونهاراً؛ أو يبتليك سوء الحظ لترتطم بمقالة لمينا ماهر، مقحماً عليك ما يكتبه كل أسبوعين في جريدة جود نيوز الكندية!
هذا غير اليائس المتشائم، والمُفرط في التفاؤل، والشتام، والنمام، وكثير الكلام، والملحد، ومدعي الإيمان، والكروي المتعصب، والقروي الساذج …الخ!
نرى كل هؤلاء يومياً، ونحزن لحالهم وتخبطهم بين هذا وذاك؛ فأين يكمن الحق وما هي غاية الوجود الحقيقية؟ ما هو غرض كل هذا الركض نحو المجهول بهدف اقتناء السعادة، إذا كنا حين نُسأل عما إذا كنا سعداء، فنجيب بالنفي؟
ما الذي ينقصنا إذن، إن كنا قد جربنا كل شيء ولا نزال تعساءً، نلهو وراء الوهم متصورين أن به الخلاص؟! ما هو يا ترى، إذ قد استنفذنا كل سبلنا، الأمر الذي لا نزال نستبعده دون عمد (أو نستثنيه عمداً) وقد يكون هو أملنا الوحيد في الشعور بالرضا والامتلاء الحقيقيين؟! أنكابر ونعاند فيما يخص مصائرنا، أم أننا نجهل بالفعل الطريق؟ ... هل من مجيب؟
ما أتعسك أيها الإنسان على هذه الأرض وأنت تجاهد باطلاً ولا تجني أبداً ما تطلبه، بل وترفض النصح والإرشاد المؤديان إلى الفرح المؤكد!