دردشة…بالعربي الفصيح:
متى جاء ابن الإنسان….!!!
ينتقل التعليم دوماً من أعلى إلى أسفل؛ أي من الآباء إلى الأبناء، ومن الشيوخ إلى الأحداث، ومن الإدارة إلى الموظفين، ومن المحترف إلى المبتدئ!
كان القديس بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورونثوس يعالج قضية أكل ما ذبح للأوثان؛ فقال لهم أن لا وجود للوثن فعلياً، لأن لنا إله واحد هو الله الآب، ورب واحد هو يسوع المسيح. لذا كلوا دون تدقيق لان الطعام لن يغيرنا؛ لكن إن كان فيكم ضمير ضعيف من جهة الوثن خوفاً من النجاسة فهذا لا يجب أن يأكل؛ وعلى هذا، كحالة استثنائية، وجب علينا مراعاة الأخ الضعيف الذي قد يعثر من أكلنا لما ذبح للأوثان.
هنا معلمنا بولس الرسول يقدم التعليم الصحيح لكل الشعب بشكل مطلق وهو أنه يصح لنا أكل ما ذبح للأوثان بضمير خالص لان ليس ما يدخل الفم ينجسه! لكنه سلط الضوء أيضا على بعض ثغرات القضية كضعاف الإيمان وكيف علينا احتوائهم من اجل المحبة. وبهذا علّم الشعب (القوي والضعيف) رأي الكنيسة الواضح، حتى يعلم الضعيف الإيمان الصحيح، والقوي المحبة واحتمال الضعيف حتى يتقوّى بدوره. فلم يدع مجالاً للقيل والقال والتجويد، بل فتح باباً للبنيان! فلا يحتقر القوي الضعيف، ولا يعتقد الضعيف أنه على صواب، فيستمر في ضعفه.
وهنا نرى كيف كان التعليم والاستنارة يأتيان من فوق (من فئة الرسل) الذين هم مصدر التعليم! لكننا اليوم مع الأسف لا نحظى بهذا التوجه الطبيعي في الكنيسة القبطية!
إن ما يحدث اليوم من استقطاب بين بعض الأساقفة وقداسة البابا هو مثال مخزي للطاعة؛ فكيف نتعلم الطاعة ممن هم لا يحتذون بها؟! ألعل المسيح كان يمزح حين أمرنا أن نتعلم منه الوداعة وتواضع القلب؟! أيجوز أن بولس الرسول لم يكن يقصد مبدأ الخضوع للقادة؟!
وكيف يغضب مطران كبير عريق من الشعب وهم يسألون رأيه في الصلاة بلغة غير مفهومة، ويطالبهم حانقاً بـ "التمسك بهويتهم الأرضية" حتى لا تنتهي من على وجه الأرض؟! أليست هويتنا هي المسيح وحاشا لنا أن نفتخر إلا بصليبه المحيي؟! ألم ينتقد بولس الرسول موهبة التكلم بألسنة غريبة (وهي موهبة من الروح القدس) من أجل الفهم والبنيان؟! ألم يقل الرسول أن كل شيء للزوال ولكن المحبة (التي هي جوهر الله) لا تزول؟!
ولماذا يطيل أسقف مرموق في حلقة تلفزيونية كاملة الكلام في تدبيرات الله وراء وجود البلح والجوافة في عيد النيروز ويظل يشيد ويزيد بمعناها العميق في المسيحية؟!! أبعد الموعظة على الجبل نتأمل فيما ليس لنا فيه بنيان؟! أبعد عمق رسالة رومية والعبرانيين، نناقش اليوم توافه الأمور؟!
وهل يعقل أن كاهناً مشهوراً يرفض دعوات الكنائس الصغيرة لعمل وعظات هناك بسبب قلة عدد الشعب؟! ألم يذهب المسيح إلى الأمم؟! ألم يولد في مدينة بيت لحم الصغيرة المتواضعة؟!
كل ما ذكرت أعلاه، مع الأسف، يصدر من الفئة التي ينبغي أن يتدفق منها التعليم الآبائي إلينا، فغدى الشعب المسكين اليوم مغيباً لا يعرف غير ما قد تسلم منهم، ظناً أنه التعليم الصحيح! لكن التعليم السليم الذي ينادي بفهم غاية التجسد وصورة الله والملكوت والعهد والخلاص بات في صدور شريحة مستنيرة معينة من الشعب العلماني (وقليل من الإكليروس) لكن ليس لهم أي سلطان أن يقوموا بتغيير كبير لكونهم أقلية! وإن حاولوا فستتم محاربتهم من فوق (ومن بقية الشعب) بتهمة إقحام تعاليم شيطانية هدفها تحطيم كل الثوابت والمسلمات؛ تماماً كما حدث مع الدكتور جوزيف فلتس مؤخراً، وچورچ حبيب بباوي سابقاً. ألم يقم المسيح له المجد بهدم كل تلك المفاهيم المغلوطة قديماً؟
صرنا نخاف من التغيير لضحالة فهمنا للحق! فهناك ثوابت غير عقائدية تحولت إلى أصنام تمثل بالنسبة لنا أكثر بكثير من العقيدة نفسها! وأصبحنا نستخدم مفردات وعبارات شهيرة ضد كل من يحاول التغيير واتهامه بأنه بروتستانتي ذو اتجاهاتٍ غير أرثوذكسية، حتى يخاف الشعب ويتقي شره!
فما هو التطبيق الفعلي اليوم للوقا ٩ : ٤٩ - ٥٠ إذن؟ وقتها فوجئ تلاميذ المسيح بشخص يخرج أرواح نجسة مثلهم ولكنه لم يكن من ضمنهم، فمنعوه! لماذا لم ينتهره المسيح؟ لماذا لم يتخوف من أن يجتذب هذا الرجل نحوه الناس أكثر من تلاميذه؟! لماذا لم يرتاب أن يتركه الناس ويتبعوا هذا الشخص؟! ألم يأمرهم بعدم منعه لأنه من ليس ضدنا في العمل الإلهي فهو معنا؟
بالطبع ستكون الإجابة الفورية على هذا السؤال أن هذا أمر مختلف تماماً، فذاك كان يخرج الشياطين باسم المسيح، لكن هؤلاء ينكرون الأسرار المقدسة!
أتعلم يا عزيزي أن الأسرار لم تدخل الأرثوذكسية رسمياً إلا في القرن ١٧، لأنّ إيمان الكنيسة الأرثوذكسية كان ولا يزال قائماً على لا نهائية الأسرار الكنسية؛ فكل ما يقام داخل إطار الكنيسة هو سر، وإلا فالله محدود! فلم تكن الكنيسة تحبذ تحديد أسرار ثابتة، ولكن تم تبني السبع أسرار من الكنيسة الكاثوليكية والاتفاق عليهم كنقاط محورية في حياة كل إنسان مسيحي على سبيل التنوير، وليس على سبيل الحصر! قال هذا أبونا متى المسكين سابقاً وتم إسكاته كالعادة وترهيب الناس من السماع إليه!!
فإن كان إنكار الأسرار هو المشكلة الجوهرية بيننا وبين البروتستانت، فها قد جاء المتنيح أبونا سمعان بكنيسة المقطم يمارس كل الأسرار لكنهم كانوا ولا زالوا يتهمونه ومن بعده بالبروتستانتية!! فما هي البروتستانتية يا ترى التي يخافون منها؟! أهي عدم الشفاعة؟! هل قلت لي يا عزيزي ما هي الشفاعة بالمفهوم الأرثوذكسي الصحيح؟! هل الأرثوذكسية تتمحور فقط حول موضوع الشفاعة؟ هل يا ترى أسلوب الصلاة والتسبيح مختلف؟! وما المشكلة في هذا؟! فإخواننا الأحباش يرقصون ويضربون الطبول في صلواتهم، فما المشكلة؟ لا من مجيب ولا توجد إجابة قاطعة، بل عادة تكون مصحوبة بشحنة غضب أو اتهام لينتهي الحديث بعدها؟!
تماماً كمبدأ "لا تجادل ولا تناقش يا علي، فهذا أمر خطير!"
كلها في النهاية مهاترات مضمونها القلق ممن هو مختلف عني في طريقة الممارسات! أصبحنا مُسّيرين بالخوف والوساوس ولم نعد نساق بروح الله!
عندما كلّم بولس الرسول تلميذه تيموثاوس في رسالته الأولى له، حذّره ألا يقبل أي تعليم مخالف لما تسلم، لم يكن يتكلم وقتها عن الأسرار أو عن الشفاعة بل إن يسوع المسيح هو ابن الله الآب الظاهر في الجسد الذي خلصنا من خطايانا بصليبه وقيامته وأرسل لنا روح الله القدوس المعزي الساكن فينا من أجل الحياة الأبدية. وأيضاً كما جاء في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الخامس:
"٧فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. " "٨وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ. " فإن من يؤمن بهذا، فقد ولد من الله!
فلماذا اليوم قد وصلنا إلى مرحلة من الجهل بالكتب قد تؤدي إلى انقسام الكنيسة إذا حاول أحد أرباب التعليم المستنير تغيير الأوضاع الخاطئة وهدم الأصنام التي صنعناها بأيدينا! وبهذا نستبيح تقسيم جسد المسيح بسبب غياب التعليم الصحيح عمن هم يُفترض أن يكونوا مصدرَ التعليم الكنسي السليم!! فكيف ستتم النهضة وانتشار الخبر السار؟؟
ألعل نبوءة المسيح تتحقق بأنه لن يجد الإيمان على الأرض في مجيئه الثاني؟ أيعقل أن نكون نحن من سيحقق تلك النبوءة، وليس غير المؤمنين؟!
لنصلي إلى الله الآب إذن ألا نكون نحن سبب ضياع الإيمان ونطلب بلجاجة أن ننهض جميعنا سوياً مع المسيح من سكرات هذا الموت لإعلان وحدة جسده الواحد! ... آمين