عودة شركة النصر للسيارات المصرية للعمل من جديد
يبدو أن خبر عودة الحياة لشركة النصر للسيارات للعمل من جديد، خبر في باطن إيجابي لكنه يحتاج من صانع القرار السياسي والاقتصادي الانتباه إلى عدة أمور محورية، خاصة وأن الحديث الأولي سيركز على سيارات النقل. لمن لا يعرف في عجالة سريعة شركة النصر للسيارات شركة تعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكانت تنتج سيارات تمتلئ بها الشوارع المصرية في هذه الحقبة. وكانت مصر تمتلك قاعدة صناعية كبيرة وقوية مع غيرها من شركات القطاع العام التي أطلقت في الحقبة الناصرية الاشتراكية، ولكنها بيعت أو تمت تصفيتها أو خصخصتها في التسعينيات.
من هنا تبرز أهمية وضع صانع القرار في الحسبان الأسباب التي أدت لفشل التجربة، ليتم تلافيها وعلاجها في الوقت الحالي. بمعني أنه من المهم التخلص من العقلية البيروقراطية للقائمين علي أمر الشركة، لأنها لن تنتج كما كان مصيرها في الماضي. وهنا تبرز أهمية أن تتبني الحكومة المصرية نموذجا جديدا في الإدارة يقوم على المشاركة مع الفكر الرأسمالي الذي يدير أنجح الشركات حاليا. بمعني أن الموظفين والمديرين البيروقراطيين، الذين ينتظرون نهاية الشهر للحصول على مرتباتهم ومكافآتهم، يجب أن يبطل خاصة بعد أن ثبت فشل ووهن إنتاجية الموظف في دولاب الحكومة المصرية، بسبب غياب معايير حقيقية وفاعلية لقياس الأداء للإدارة العليا قبل الموظفين.
الأمر الثاني الذي يجب وضعه في الحسبان، أهمية الاستعانة بقيادات اقتصادية وإدارية وصناعية شابة، لديها الطموح والفكر المتطور وإدراك احتياجات المستهلك والسوق على حد سواء، بحيث يكون إنتاج الشركة معبرا عن طلب حقيقي، وليس مجرد دعاية تقود إلى خسائر وديون على كاهل الحكومة المصرية. إن ارتفاع أسعار الوقود، وانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار لمستويات قياسية، يجبر المستهلك على البحث عن بدائل للمنتجات ذات الأسعار المرتفعة ومنها السيارات المستوردة.
من هنا تبرز أهمية الاستفادة من نموذج الصين، القادر على توفير منتجات مناظرة للمنتجات الغالية الثمن، بأسعار تنافسية، وهو ما يعطي ميزة نسبية للمنتجات الصينية. وهنا يمكن لصانع القرار أن يقوم بعمل شراكة ثلاثية، أسميها الشراكة الثلاثية الفعالة والذكية، بحيث تضم مع الحكومة رجال أعمال فاعلين في سوق السيارات الخاصة من ناحية، وشريك أخر صيني لديه القدرة على نقل ثقافة الإنتاج منخفض التكاليف، والمتبع لسياسات جذابة للتسويق وكسب أسواق جديدة. وتعد هذه النقطة مهمة للغاية بسبب الطابع المظهري للكثير من العملاء في السوق المصرية، حيث يسعون للتباهي بأنهم يركبون سيارات من أفخم الماركات، حتى لو توفرت لديهم سيارات عملية بأسعار واقعية توفي بالغرض. وهذا الأمر يحتاج لدعم إعلامي حكومي وخاص لشركة النصر للسيارات لتمهد الأرض المناسبة لشراء منتجاتها الجديدة، التي لا يجب أن تقف عند حد سيارات النقل.
النقطة الأكثر أهمية، أن مصر تعاني من نقص حاد من مواد الطاقة، وخاصة في ظل سياسات تحرير الطاقة ومنها البنزين والديزل، من هنا تبرز أهمية قيام شركة النصر للسيارات بتطوير خط إنتاج للسيارات الملاكي يعتمد على الطاقة الكهربائية. ومن سافر إلى سيناء وشاهد طواحين الهواء، يعلم أن مصر بقدر من الاستثمارات المالية والخبرة في هذا المجال قادرة على إنتاج الكثير من طاقة الرياح، خاصة وأن العالم يتجه للطاقة النظيفة بعيدا عن البنزين والديزل.
إحياء شركة النصر للسيارات أمر إيجابي للغاية، ولكنه في حاجة إلى دراسة وقرارات عملية مواكبة لسوق يشهد ارتفاع حاد في الأسعار ومنافسة حادة مع شركات عديدة أوروبية وأمريكية وآسيوية ستدافع عن منتجاتها في السوق المصرية الكبيرة، والتي تعد كعكة مغرية لأي شركة للحصول علي أكبر نصيب فيها. ونتمنى التوفيق للشركة المصرية، لتساهم في دعم المواطن المصري، بعد سيارات النقل بسيارات ملاكي ملائمة للسوق المصرية والقدرة الشرائية للمواطن.