عبد المسيح يوسف يكتب: تحالف السعودية .. ”أنت بتستعماني يا هرم”
لم يكذب نيكولو ميكيافيللي عندما أكد في نظريته السياسية أن "الغاية تبرر الوسيلة"، وأن من يمارس السياسة يجب أن يوظف الدين والأخلاق، حتى لو كان لا يتحلى بهما بالمرة، من أجل الكذب علي شعبه، واخضاعه لسلطة الاستبدادية. نيكولو في كتابه الأمير، كتب نظرية كيف يحكم الأمير أو الحاكم أو الرئيس، وهي نظرية علي درجة عالية من الواقعية، تكشف مدى الوقاحة والخسة والكذب والتحايل، التي يجب أن يتبعها الحاكم، ليخضع شعبه لسلطته الاستبدادية. كما مرة يذكر فيها اسم دولة أبناء آل سعود، أتذكر فيها نظرية نيكولو ميكافيلي، وسلوكيات الحاكم في التعامل مع شعبه.
لكن عندما تداولت وكالات الأنباء العالمية، خبر قيام دولة أبناء آل سعود بتشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب، تذكرت مباشرة مقولة، الفنان محمود عبد العزيز، في رائعة داوود عبد السيد، عندما قال للفنان الكبير نجاح الموجي "تاجر المخدرات"، بعد أن ضبطه بالخيانة في الحمام: "أنت بتستعماني يا هرم". بالفعل هذا المشهد يلخص محاولة دولة أبناء آل سعود من أجل غسل سمعتهم، بعد أن افتضح أمرهم، في تمويل جماعات الإرهاب الدموي، وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. وكان الفضل في فضح السعودية وأمريكا وقطر وتركيا في تمويل ودعم جماعات الإرهاب التي ورثت القاعدة، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
السعودية، دولة حديثة العهد، ظهرت في الثلاثينيات من القرن العشرين، بعد أن اغتصبت وسرقة السلطة عائلة آل سعود، من قبيلة الرشيدي عام 1902. وساعد عبد العزيز آل سعود في اغتصاب وسرقة السلطة تحالفه مع الداهية أو الداعية السلفي محمد بن عبد الوهاب، والذي كان يبث أفكارا دينية متشددة، وجدت تربتها الخصبة، في بيئة بدوية صحراوية. ونجحت أسرة آل السعودية، في تأسيس مملكتهم برعاية واحتضان القوى الاستعمارية في منطقة الخليج، بريطانيا العظمي.
وتطرح دراسات أن أصول عائلة آل سعود، يعود إلى قبلية يهودية، كانت تسكن منطقة نجران، فالأصول اليهودية لآل سعود تعود إلى إلياس بن مقرن الياهو، رمز يهود نجران. وكان الوثائق المؤكدة أصول آل سعود موجودة في نجران. وكان اسم جدهم الأكبر مكرن "مقرن"، ولكن المخابرات البريطانية، الراعية لتأسيس العرش السعودية، ممثلة في شخصية جون فيلبي مدعوما بفريق مخابراتي بريطاني قامت بالتخلص من هذه الوثائق، التي تثبت الأصول اليهودية لأسرة آل سعود. وتفاصيل هذه القصة في كتاب "رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية"، من تأليف فيليب ليبنز أحد أعضاء فريق فيلبي، وثلاثة آخرين هم جالك وكونزاك ريكمان. وبذل هذا الفريق جهودا مضنية جمع من خلالها الوثائق المؤكدة للأصول اليهودية لأسرة آل سعود، وهذه الوثائق محفوظة في سويسرا لدى أحدى المنظمات اليهودية. وهذا الأمر يفسر الود غير المعلن بين آل سعود وإسرائيل من ناحية، وعدم تعرض إسرائيل لأى هجمات أو عمليات إرهابية من قبل الجماعات الإسلامية الإرهابية ومنها داعش وجبهة النصرة، بل والغريب أن إرهابي هذه الجماعات من الجرحي، يتم علاجهم في مستشفيات إسرائيل.
وكانت الورطة التي غرقت فيها السعودية في اليمن، مصاحبة لتقارير غربية، خاصة فرنسة وألمانية، عن ضرورة توقف السعودية عن دعم الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، ما سبب حرجا كبيرا للأسرة المالكة في السعودية. وكانت الشرارة، التي غيرت من مواقف بعض الدول الغربية، من التبعية العمياء لباراك أوباما، العملية الإرهابية التي ضربت فرنسا، فضلا عن تدفق آلاف اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وهو ما يهدد استقرار هذه المجتمعات، خاصة وأن الدول الراعية للإرهاب ممثلة في السعودية وأمريكا وقطر لا تستقبل أي لاجئين سوريين، انطلاقا من قاعدة نقل المعركة إلى خارج أراضيهم.
وهذا ما فطن إليه فرانسوا أولاند متأخرا بعد عملية باريس، أحد أسوء رؤساء فرنسا الإشتراكيين واليمنيين. فسابقه، نيكولا ساركوزي رغم كل ما كان يقال عن تحالفه العضوي مع الأميركيين، بما لا يتناسب مع الشخصية والصورة الذهنية لدى الفرنسيين، إلا أنها كان داهية سياسية، كان يتحالف مع أوباما فيما يحقق مصالح فرنسا، وكانت الحالة الليبية، التي دمرها الغرب، مثال واضح على المنافع الجمة التي اقتنصتها فرنسا بتروليا من ليبيا. في حين أن أولاند، لم يتعلم أى شئ من أحد أهم رؤساء الجمهورية الخامسة الفرنسية، فرانسوا ميتران، والذي يعتبر أحد ايقونات الرئاسة الفرنسية من الاشتراكيين.
استيقظ أولاند متأخرا على خداع أميركي بريطاني، فرغم أنهما أكبر داعمين للسعودية وقطر وتركيا في رعاية الإرهاب، إلا أن كل هذه الدول لم تشهد أى عملية إرهابية من قبل داعش أو جبهة النصرة، لأن التعليمات لهذه التنظيمات واضحة. والمخابرات البريطاني، والتي عرفت من قام بتفجير الطائرة الروسية في شرم الشيخ، لم يكن لديهم أى معلومات عن ضرب باريس الثاني. على الرغم من أن باريس أكثر أهمية بكثير من مدينة شرم الشيخ الصغيرة، على المستوى الدولي لصنع السياسة والقرار. ومن هنا كانت هرولة أولاند إلى واشنطن ليفهم ماذا يحدث، ولماذا وافقت أميركا علي ضرب باريس، واحراج أولاند أمام شعبه. وعندما لم يجد إجابات صادقة، كان سبيله الرجل القوى للنظام الدولي حاليا، فلاديمير بوتين، لينسق معه عمليات ضرب داعش، في إشارة واضحة لزيف تحالف أميركا وبريطانيا المدعي ضرب داعش.
أما المخابرات الألمانية، التي سبق وأن كشفت عن تورط الإدارة الأميركية في التجسس على مكالمات المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، فكانت سباقة في اتهام السعودية بدعم الإرهاب، وضرورة التوقف عن هذا.
السعودية، تتلاعب بالمنطقة العربية والإسلامية بأمرين، الفوائض البترودولارية من ناحية، وإدارة الأماكن المقدسة الإسلامية في الجحاز. وطالما بقيت إدارة أماكن الشعائر المقدسة للمسلمين في العالم تحت سيطرة هذه العائلة، التي أكلتها الشيخوخة وصراعات الأبناء والأحفاد، فسيبقي الملايين مغيبين عن مسايرة الحضارة والرقي. خاصة وأن هذه الأماكن المقدسة ملكا للمسلمين جميعا، من سنة وشيعة وغيرهم، وليست ملكية خاصة لأبناء آل سعود الذين اغتصبوا السلطة واحتكروا الحديث باسم الدين في العالم الإسلامي.
هل فكر أحد، ما كانت ستؤول إليه الأمور، لو فشل أبناء ال سعود في اغتصاب وسرقة السلطة من عائلة الرشيدي؟ هل كانت أحوال الدول الإسلامية من المحتمل أن تكون أفضل مما هي عليه الآن؟ فالحروب والقتل والدم والكراهية وتكفير الآخر، وعدم الأمان، لا تجده إلا أينما وطأت أقدام آل سعود ومن يمثلهم من تجار الدين.
الحلف الجديد، الذي دشنه، محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع وابن الملك سلمان، محاولة لغسل سمعة السعودية، التي كشفتها روسيا والإعلام الدولي بدعم وتمويل الإرهاب. وإذا كان السعودية قادرة بأموالها وفكرها السلفي المتطرف في اسكات الكثير من الأصوات في المنطقة، إلا أن الأمر في الغرب مختلف. فكانت محاولة أبناء آل سعود بالضغط علي الغرب بسحب استثمارات بمليارات الدولارات لهز اقتصاديات هذه الدول، وتشكيل تحالف طائفي سني، في محاولة كاذبة لمحاربة الإرهاب، الذي ترعرع وانتشرت عملياته الدموية برعاية سعودية. ولسان حال العالم يتحين الفرصة المناسبة وهو يقول للسعودية: "أنت بتستعماني يا هرم".