منسي موريس يكتب: الكنيسة وهويتها الحقيقية
عندما كنت صغيراً كنت أتساءل دائماً لماذا تكون الصلوات والقداسات في الكنيسة باللغة القبطية بلغة لا أفهمها لماذا لاتكون الصلوات باللغة التي أعرفها وأفهمها ؟ لماذا يخاطب الكاهن الله بلغة لايفهمها معظم عامة الشعب ويردد الشعب كلمات لايعرف مضمونها ومعناها تقرباً لله ومن المفترض والواجب أن الصلاة عبارة عن حوار روحانى بين الله والإنسان وأبسط قاعدة في هذا الحوار أن يكون مفهوم وواضح لأن الخطاب والحوار الغامض مصيره المحتوم الفشل في التواصل لأن الشرط الأساسى للتواصل هو التفاهم بين طرفين؟ هل الله يريد منا أن نكون مثل الببغاوات نكتفى فقط بترديد الكلمات ولا يهمه أن نعرف مدلولاتها والمراد منها؟ وإذا كان لايهمه هذا كله إذن لماذا يريد منا التواصل معه من الأساس ؟ وإذا كانت اللغة مهمة ومقدسة لماذا لانصلى باللغة التي تكلم بها "السيد المسيح " نفسه وهو الشخصية المحورية في الكتاب المقدس كله ؟ كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهنى طوال الوقت وكانت الإجابات دائماً هذه هي هويتنا وهذا هو تراثنا وهذا ما تسلمناه من الآباء !
إن مشكلة الهوية بالنسبة للكنيسة القبطية مشكلة ليست بالسهلة أو البسيطة لأن الكنيسة خلطت بين الهوية المسيحية وبين الهوية الإنسانية فاللغة لاتمت بأى صلة للهوية المسيحية فالله لايعرف سوى لغة الإنسان الروحية لأنه كيان روحانى غير متقوقع داخل نطاق الكلمات والحروف واللغات فما يهمه البُعد الوجودى في الإنسان ولا يهمه القالب اللغوى الذى يحمل هذا " البُعد" فالله دائماً يبحث عن داخل الإنسان لايقف عند التعبيرات والترديد والصياغة وقوة البلاغة والفصاحة والألحان فهو لايهتم بمدى قدرتنا على التعبير اللغوى أو يتضايق لجهلنا بقواعد اللغة لأنه يفهمنا قبل أن نتكلم وينظر إلى ماوراء الكلمات إلى أعماق الإنسان هذه الأعماق التي تفشل حتى اللغة في التعبير عنها فالله يتعامل مع هذا الجانب الدفين في كينونة الإنسان وجوهره هذا هو الله في المسيحية الإله الذى تجسد كى يخاطب البشر بأفضل الطرق الممكنة لأن التجسد في حقيقته إزالة كل لبس وغموض وحاجز بين الله والإنسان فكيف يطلب منا أن نتواصل معه بشكل غير مفهوم وهو ضد هذا المبدأ تماماً أليس هذا أكبر تناقض وتعارض؟ ثم أن الله نفسه لم يضع لنا وصية بتقديس اللغات والألحان والتراث الإنسانى لأنه لو فعل ذلك وإنحاز لثقافة معينة وشعب معين ولغة محددة سيكون هذا الإله عنصرى وقبلى بشكل واضح لا ريب فيه ، هذه هي أزمة الكنيسة القبطية جعلت لنفسها هوية قبلية ذات تراث معين ولغة معينة وألحان معينة وطقوس معينة وأصبحت تتصرف بمنطق القبيلة حتى تقوقعت وإنعزلت عن كل تقدم وتطور وإصلاح وإنفتاح ومنطق القبيلة هذا لايراعى كل ماهو إنسانى أو فردى بل يضع كل الإعتبارات القبلية فوق كل القضايا الإنسانية فالتراث أهم من الإنسان أهم من عقله وفهمه وحقوقه ومشكلاته لكن الهوية المسيحية الحقيقية تعمل بمنطق يختلف تماماً عن منطق القبيلة فكما ذكرت آنفاً أن الله في المسيحية إله لايهمه سوى قلب وروح الإنسان وخلاصه ولايعول على اللغة والطقس واللحن والتراث فالهوية المسيحية تضع الإنسان فوق كل شيء وكما قال " السيد المسيح نفسه في (إنجيل مرقس 2: 27) «السبت إنما جعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت.) ولا حتى تلاميذ " السيد المسيح " كانوا يتعاملون بمنطق القبيلة بل كانوا يكرزون ويخاطبون البشر بطرق مختلفة ومتعددة تتناسب مع عقولهم لأن هدفهم الأصيل هو الرسالة وليس الطريقة في حد ذاتها وكما قال "بولس الرسول" في (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 9: 20) فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود. وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس.) ولم نجدهم يوماً إفتخروا بهويات غير مسيحية بل كانت المسيحية بالنسبة لهم هي هويتهم الحقيقية ، حتى في القرون الأولى للمسيحية التاريخ يشهد أن المسيحيون ترجموا الكتاب المقدس لعدة لغات لكى يفهموه وينشروه ويبشروا به في كل الأرض تخيل لو كان التلاميذ تبنوا نفس منطق الكنيسة اليوم كيف كانوا سيبشرون ويكرزون ويتلمذوا جميع " الأمم" بهوية لاتفهمها باقى الأمم؟ أليس عدم فهم باقى الأمم لهم كان سيقضى على المسيحية منذ بدايتها ؟ ما الذى يدفعك ويجعلك تؤمن بشىء لاتفهمه أليس عدم فهمك لرسالة معينة يعطيك الحق في رفضها تماماً أليس كذلك؟
أنا لست ضد الهويات الإنسانية سواء كانت " قبطية أو امازيغية أو سريانية أو غير ذلك " لكنى أرفض أن تجعل هويتك هذه تحل محل الهوية المسيحية الخالصة فالكنيسة الحقيقية هي جماعة المؤمنين " بالمسيح " والإيمان بالمسيح يجب أن يكون فوق كل الهويات واللغات والتراث فالمسيح هو هوية الكنيسة الحقيقية ويجب أن يكون هو المرجع والمصدر الوحيد لتشكيل وجودنا من الداخل وليس من الإيمان أن نستمد هويتنا بشكل رئيس من منبع غير " السيد المسيح" لأننا لو فعلنا العكس سنقع في صراع الهويات الذى لايولد سوى التعصب والإنغلاق والجمود وسنفقد هويتنا المسيحية تدريجياً دون أن نشعر وكل كنيسة لا تكون هويتها الحقيقية هوية مسيحية خالصة ستفقد عوامل إستمراريتها لأن تقوقعها داخل هويات أخرى سيجعل الزمان يقضى عليها بفعل التطور