عبد المسيح يوسف يكتب: كندا ”مهمومة” فيدرالياً بسبب رئيس Air Canada.. ”اللي مبيعرفش يتكلم فرنساوي !!”
أثارت تصريحات رئيس شركة Air Canada الجديد، مايكل روسو Michael Rousseau بأنه لا يتحدث الفرنسية الكثير من اللغط السياسي، في المجتمع الكندي على المستوى الرسمي، والكيبيك. وبعد مرور عدة أيام تدخل رئيس الوزراء الكندي جوستان ترودو شخصيا في الموضوع، قائلا: ويعلن انه من غير المقبول أن يكون رئيس "اير كندا" لا يتحدث الفرنسية .... وتدخل الوزير الفيدرالي للغات الرسمية في كندا في الموضوع أمر ضروري.
وقال المفوض العام لمفوضية اللغات الرسمية ريموند تيبيرج أن "هذا كثير للغاية"، خاصة وأن المفوضية استقبلت أكثر من ألف شكوى تتعلق باستخدام "إير كندا" فقط للغة الإنجليزية، دون الفرنسية في التعامل مع العملاء الفرانكوفونيين.
وكانت تصريحات مايكل روسو الرئيس الجديد لشركة "إير كندا" في غرفة التجارة بمونتريال، بأن لا يتحدث الفرنسية، ويعيش منذ 14 عاما في مونتريال، ولم يشعر باحتياجه لتحدث الفرنسية، أثارت استياء وتهكم النخبة السياسية والاقتصادية الكيبيكية من ناحية، وهو ما مثل ضغطا على الحكومة الفيدرالية، برئاسة رئيس الوزراء جوستان ترودو، ذو الأصول الكيبيكية المونتريالية، مما جعله يتدخل لأن هذا يمثل مساسا لجوهر تماسك الدولة الفيدرالية، الذي يبقي فتيله في يد الكيبيك، التي تمثل أكثر من 20% من تعداد سكان كندا، وتتمتع بهوية متميزة وكل مواصفات "الأمة Nation".
غابت الحنكة السياسية عن الرئيس الجديد لــــ"إير كندا"، وعدم وعيه وإدراكه لتوازن الأمور في كندا، وربما غاب عنه، أن رئيس وزراء كندا ذاته، يجب أن يتحدث الفرنسية، حتى لو جاء من إقليم انجلوفوني، مثلما كان الحال مع المحترم ستيفان هاربر. وجرى العرف على أمران يحققان استقرار الدولة الفيدرالية الكندية، الأول: يتعلق بأنه من المحبذ، وليس من الحتمي، أن يكون رئيس وزراء كندا من الكيبيك، خاصة وأن الإقليم الأكثر اتقانا للغتين، الفرنسية اللغة الأم والإنجليزية اللغة الثانية. والأمر الثاني: أن رئيس وزراء كندا يجب عليه أن يتحدث الفرنسية، حتى لو كان انجلوفوني إذا كانت لغته الأمر الإنجليزية، بل والأكثر من هذا في كل مؤتمراته الصحفية وتصريحات يبدأ بالحديث بالفرنسية ثم الحديث بالإنجليزية.
من الواضح أن روسو غابت عنه الحنكة السياسية، رغم منصبه الفيدرالي، لإدارته لشركة فيدرالية. خاصة وأنها لا تأخذ في الاعتبار اعتماد اللغتين الفرنسية والإنجليزية في التعامل مع العملاء، وخاصة الفرانكوفونيين من الكيبيك. وعلى الرغم من أنها الناقل الرسمي الأول لكندا، إلا أنها لا تحترم قانون اللغات الرسمية، الذي ينص على احترام الإنجليزية والفرنسية.
ودفع هذا الأمر وسائل الإعلام الكيبيكية أن تطرح قضية مدى قدرة مؤسسات الدولة الفيدرالية على التحدث بالفرنسية، في بقية الأقاليم، خاصة وأن غالبية الكيبيكيين وليس كلهم قادرين على التحدث باللغتين الفرنسية والإنجليزية، بصورة أعلى من بقية الأقاليم العشرة، المكونة لكندا.
بالطبع بعد كل هذه الضغوط، خرج مايكل روسو ليعتذر ويؤكد على استعداده لتحسين لغته الفرنسية، لكن بعد أن أفاضت القطرة الكأس، وتدخل رئيس وزراء كندا، ليعلن أنه من غير المقبول ألا يتحدث رئيس "اير كندا" الفرنسية، وكلف الوزير الفيدرالي المكلفة بحقيبة اللغات الرسمية بمتابعة الموضوع، مؤكدا أن الاعتذار جيد، ولكن يجب أن يتخذ إجراءات ملموسة على أرض واقع لتأكيد احترامه وتحدثه للفرنسية بجانب الإنجليزية، فهذه التزامات يجب أن يأخذ كل مسؤول فيدرالي على محمل الجد، وليس مجرد الكلام. كما كلف وزير المواصلات الفيدرالي بمتابعة الموضوع. وأدي هذا الأمر إلي زيادة اهتمام الإعلام، بالإصلاح المزمع تنفيذها على قانون اللغات الرسمية في كندا على المستوى الفيدرالي.
هذا وعبر مكتب رئيس وزراء الكيبيك فرانسوا لوجو والمفوض العام للغات عن استيائهم من خطاب رئيس اير كندا بالإنجليزية فقط، دون التحدث بالفرنسية، وهو ما يمثل شرخا في كيان الدولة الفيدرالية الكندية، ويقلل من شأن الثقافة واللغة الفرنسية، بصورة غير مقبولة، خاصة وأن لها كل مواصفات Nation الأمة، حسب الدستور الفيدرالي الكندي. وكان رئيس وزراء الكيبيك فرانسوا لوجو قد صرح في كلاسجو خلال مشاركته في قمة المناخ أنه من غير المقبول أن يكون هذا خطاب مسؤولي، أنه يجب إصلاح هذا الأمر بصورة واقعية على أرض الواقع.
وخرجت مختلف القوي السياسية والأحزاب ممثلة في رؤسائها أو المتحدثين الرسميين عنها لانتقاد موقف مايكل روسو، وكان في مقدمتها الحزب الليبرالي، وحزب التحالف من أجل الكيبيك، والكتلة الكيبيكية، والحزب الديمقراطي الجديد، بل أن بعض القوى السياسية طالبت مايكل روسو بتقديم استقالته فورا، لأن لم يحترم القانون 101، الخاصة باللغات الرسمية، على الشركات والكيانات الفيدرالية ومنها Air Canada.
وكان مايكل روسو رئيس شركة اير كندا قد تحدث فقط في خطابه أمام غرفة التجارة في مونتريال الكبرى بالإنجليزية، وأجاب على أسئلة الصحفيين بالإنجليزية، على الرغم من تأكيده أن يعيش في مونتريال منذ 2007.
هذا ويبلغ تعداد الكيبيك حوالي 8.2 مليون نسمة، من إجمالي تعداد سكان كندا، البالغ 38.4 مليون نسمة، والفرنسية هي اللغة الرسمية للإقليم، الساعي من وقت لآخر للانفصال عن كندا، ويوجد بها حوالي مليون أنجلوفوني، بسبب المزايا المتنوعة في الإقليم، ومنها انخفاض مستوى الغلاء مقارنة ببقية الأقاليم الكندية، فضلا انه قوة الاقتصادية نسبيا، "بعد اونتاريو"، حيث تبلغ معدل البطال 6.7% وهو الأقل تقريبا في كل الأقاليم الكندية، فضلا عن حزمة المساعدات الاجتماعية والتعليمية، التي تقدمها الحكومة الكيبيكية، وهو ما يجذب العديد إليها من المهاجرين الجدد، البعض يكمل فيه، والبعض الآخر، يحصل على حزمة المزايا، ثم يترك الإقليم للاستقرار في إقليم آخر انجلوفوني بسبب عائق اللغة.
وفي المرات السابقة، التي تم تنظيم استفتاء لاستقلال الكيبيك عن كندا، كان هناك عشرات الآلاف من الأنجلوفونيين في الإقليم، الذي يعانون تهديد تركه بإرادتهم خاصة أن أي انفصال سيجعل من الإنجليزية لغة ثانوية للغاية. ويتجاهل البعض أن الحكومة الحالية في الكيبيك، حكومة يمين وسط، لم تتنازل عن حلم تكوين دولة مستقلة، ولكنها لها رؤيتها من خلال تحقيق نمو وتقدم اقتصادي على مراحل، يحقق مطالب تشكيل دولة مستقلة للأمة الكيبيكية. ولتستمر متابعة الأحداث.
عبد المسيح يوسف - مونتريال
عضو نقابة الصحفيين المصريين