A Society Living in Fear is a Dying Society أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات

منسي موريس يكتب: الإيمان صراع مع الوجود

كثيراً ما يظن المرء أن الإيمان عملية سهلة يستطيع من خلالها أن يحقق كل ما يريد " الصحة ، المال ، السلطة "وكأنه بمجرد أن يقترب من الله كأنه إمتلك المصباح السحرى الذى سوف يجلب له كل المكاسب والنعم والرخاء والراحة والأمان ولا نستغرب من الذين ينادون بإنجيل الرخاءوالرفاهية لأن السواد الأعظم منا يعتقد بهذا الأمر حتى دون أن ندرى لكن ياترى هل فعلاً حقيقة الإيمان بهذا الشكل البسيط والساذج ؟

هنا ينبغي أن ندخل في عمق الإيمان  وننظر له من الناحية "الأنطولوجية " الوجودية التي ترتبط بخبرة الإنسان الداخلية وصراعه مع الوجود، الإيمان في حقيقته عبارة عن حالة  " صراع " مستمر وليس حالة من السكون والأمان والطمأنينة وهذا نجده واضحاً بشكل صارخ مع الشخصيات المؤمنة سواء كانت هذه الشخصيات أنبياء أو رسل أو كل شخص صاحب تجربة إيمانية عميقة ، " فالإيمان الذى لا يجعل صاحبه في  حالة من الصراع والكفاح المستمر هو ليس بإيمان حقيقى بل هو وهم الإيمان " وإذا نظرنا في حقيقة هذا الصراع نجده على كافة مستويات الوجود " مستوى الذات و مستوى العالم ومستوى الله " ودعونا نبدأ في توضيح هذه المستويات .

 الصراع مع الذات : هذا أول صراع يخوضه المرء في عملية الإيمان إذا اعتبرنا أن الإيمان هو نموذج Paradigma وعلاقة مع صاحب هذاالنموذج أي الله فالنموذج يقدم رؤية ومنظومة ومنظور قد يكون هذا النموذج لا يتناسب مع طبيعة الإنسان التي تريد أن تؤمن هو يحب الإيمان لكن ميوله ورغباته لاتتناسب مع المبادئ المتعالية التي يقدمها هذا النموذج فهنا تحدث حالة الصراع داخل الروح الإنسانية بين جمالية المنظور الذى يقدمه الله ويجذبها  وبين  نزوع الروح إلى المبادئ التي تتناقض مع بنية هذا النموذج ونجد أن " بولس الرسول " عبر عن هذه الحالة في عبارات عميقة تكشف عن حقيقة هذا الصراع بقوله " فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ، أي في جسدي، شيء صالح. لأن الإرادة حاضرة عندي وأماً أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأنني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت مالست أريده إياه أفعل فلست أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيّ. إذ أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشرّ حاضر عندي. فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن، ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي "

الصراع مع العالم : كما قلنا سابقاً أن الإيمان عبارة عن نموذج يحمل في طياته مبادئ  وتعاليم ورؤية إلهية متعالية والعالم بطبيعة الحال يقدم  نماذج كثيرة ومتعددة ومختلفة عن الله و الإنسان والحياة والوجود فيحدث الصراع عندما يتبنى الإنسان المؤمن الرؤية الإلهية عن الوجود فيعيش دائماً في رحلة هدفها تصحيح كل الأفكار المنتشرة في هذه العالم عن الوجود لذلك الوحى هو نقد لكل الأفكار الخاطئة وتقديم الرؤية الصحيحة فالإنسان المؤمن لايكتفى فقط بقبول الرؤية الإلهية لكنه مطالب دائماً بإصلاح كل التعاليم الخاطئة التي تشوه الله والإنسان وهذا الصراع قد يكلفه حياته لأن الكثير من الأفكار الخاطئة حين تحاول إصلاحها وإظهار مواطن ضعفها قد تُسجن وتُقتل وتُتهم بأبشع التهم  ولنا المثال الأكبر في هذا " السيد المسيح " نفسه حاول تقديم الصورة الإلهية الصحيحة  ونقد كل الأفكار المغلوطة عن الله والنتيجة كانت أن المجتمع اتهمه بالتجديف والهرطقة وفى الأخير حكم عليه بالصلب والموت  لدرجة أن قال عبارة تكشف عن مدى كم المعاناة والألم  الذى مر به في رحلته على هذه الأرض الغير عادلة «نفسي حزينة جدا حتى الموت. امكثوا ههنا واسهروا معي»." (مت 26: 38)

الصراع مع الله : هنا يبدأ الإنسان مستوى أعلى من الصراع ويكون مع الله نفسه كثيراً ما يمر المرء بضيقات وأمراض وكوارث ونكبات تحل عليه دفعة واحد ومع ذلك لايرى من الله سوى الصمت والغياب وعدم الاستجابة  وكأن المعجزات صارت مستحيلة والتدخل الإلهى أصبح محال ويصير لسان حال الإنسان كما كان لسان حال " داود النبى"  من قبل ويقول "يا رب، لماذا تقف بعيدا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟" (مز10: 1)

وبهذا نكون قد بينا أن الفكرة الشائعة عن الإيمان المريح هي فكرة خاطئة وعلى كل إنسان أن يُدرك هذا جيداً أنه حينما يريد أن يؤمن عليه أن يعرف أنه سيبداً رحلة من الصراع المستمرمع الذات والعالم والله  وإلا سوف يفقد إيمانه في وقت ما لكنها رحلة سيحقق من خلالها قيمته الوجودية كإنسان يبحث عن المعنى والمصير والأبد  .