منسي موريس يكتب: مفهوم الكهنوت رداً على الأنبا رافائيل
حضر "الأنبا رافائيل "مراسم جناز الأب الغالى " مكارى يونان" وألقى " عظة " وللأسف الشديد لم تكن عظة موفقة على الإطلاق لكن هي في الحقيقة " محاضرة عقائدية " وفى هذا المقال سوف نوضح الكثير من الأخطاء التي وقع فيها عن عمد وقصد لهدف تمرير ما يؤمن به، وسوف أُقسم الأخطاء إلى نوعين أخطاء أخلاقية وأخطاء عقائدية ونبدأ في ذكر الأخطاء الأخلاقية .
1- تعلمنا منذ الصغر قاعدة تقول " لكل مقام مقال " فليس كل الكلام يصلح لكل المواقف والأحداث لكن " الأنبا رافائيل " لم يطبق هذه القاعدة التي بكل تأكيد يعرفها حق المعرفة لكنه تعمد أن لايستخدمها ويطبقها بدليل أنه ألقى " محاضرة عقائدية " في حدث مثل هذا لأن طبيعة هذا المحدث لاتتناسب تماماً مع ما قدمه وكان ينبغي أن يتحدث عن الأبدية والعزاء وتسليط الضوء بشكل كبير على الجوانب الهامة في حياة " الأب مكارى يونان " لكن هو فعل العكس تماماً وجعل جل محاضرته عن مفهوم " الكهنوت " وكأن حياة الأب الراحل لم تكن تحظى بأشياء مهمة تستحق الذكر وهذا يكشف شيء خطير في نفسية "الأنبا رافائيل " ألا وهو أنه لايرى أي قيمة حقيقية قدمها الأب " مكارى يونان "
2- الشىء الغريب أن "الأنبا رافائيل " اتهم الأب " مكارى يونان " منذ فترة طويلة بأنه يصف كلام " المسيح " بأنه كلام شيطانى وهذه تهمة خطيرة جداً لم يفعلها " الأب مكارى يونان " وظل " الأنبا روفائيل " هو وتياره في خلاف شديد مع الأب الراحل خلاف ملىء بالإتهامات والصراعات والطعنات الخبيثة لدرجة جعلت الأب مكارى يونان يشعر بالكآبة والحزن (1) ، إذن لماذا يظهر الآن ويقف بجانب جثمانه أليس هذا معناه أنه يريد أن يصحح المفاهيم التي تركها الأب "مكارى يونان" ويحل تعليمه الذى يراه صحيحاً محل تعليم الأب المتنيح ؟
3- إستغل " الأنبا رافائيل" وجود الطوائف المختلفة وعوض أن يقدم عظة تدور حول " المسيح والأبدية ووحدة الكنيسة " راح يكرس لنظام الكهنوت الطقسى وكأنه في مناظرة علمية مع الطوائف الأخرى وهذا الإستغلال غير أخلاقى وليس له مبرر على الإطلاق ، كل هذه الأخطاء الأخلاقية في الحقيقة لايجب أن تخرج من رجل دين لأنها أفعال لاتخدم الإيمان بل تكرس للتعصب والجمود .
نأتى الآن للأخطاء العقائدية في المحاضرة التي قدمها في محاضرته ، أستشهد بأقوال بعض الآباء وبآيات من الكتاب المقدس للتأكيد علىالآتى .
1- أن " الكاهن له خصوصية وسلطان وحده " وهذا معناه أن بقية المؤمنين بالمسيح ليس لديهم هذه الخصوصية والسلطان .
2- التمييز بين الكاهن والإنسان العادى لأن هذا تخصص في عرفه .
3- أن الكاهن وسيط ومهته إيصال كلام الله للإنسان .
إكرام الكهنة لأنهم مختارين من قبل الله .
ونبدأ الآن في الرد على هذه المغالطات .
وهنا سوف سوف أركز على مفهوم الكهنوت من الناحية التاريخية دون الولوج إلى الكثير من الأدلة الكتابية والعقلية التي تُفند ما طرحه في هذه المحاضرة ، في البداية لايمكن بأى حال من الأحوال إصلاح الفكر المسيحي في الشرق الأوسط إلا إذا تم القضاء على التمييز بين الكهنة وباقى الشعب والقضاء على متلازمة الشر " ربط اللاهوت بفئة الإكليروس فقط " لأن دور الكاهن في حياة الإنسان المسيحي هو الدور الرئيس الذى يرسم للإنسان المسيحي واقعه من الناحية اللاهوتية والسياسية والإجتماعية والعلمية فأصبح رجل الدين هو المرجعية التي تُشكل عقل الإنسان المسيحي ، فالإنسان المسيحي لا يقوم هو بتشكيل عقله بل المؤسسات الكنسية هي التي تقوم بذلك والسبب إحتكارها للاهوت ، وأصبح تقديس رجل الدين هو صفة أساسية لدرجة أن الناس لا تتحمل نقد البابوات أو الكهنة والأساقفة وكأنهم منزهين عن الخطأ وأعطوهم درجة أعلى من الأنبياء الذين تم ذكر أخطائهم في الكتاب المقدس وكل هذا بسبب تقسيمهم للمسيحيين إلى فئتين هما رجال الإكليروس وباقى الشعب .
للأسف الكنائس التقليدية تريد أن تفهمنا أن هذا هو معنى الكهنوت الصحيح ولكن في واقع التاريخ المسيحي لم يكن الأمر هكذا لم يكن هناك هذا الفصل و " التمييز بين الكهنة والشعب لم يكن موجوداً في الكنيسة الأولى يقول المؤرخ " أندرو ملر " « لقد كانت فكرة التمييز بين الكهنة والشعب موجودة في الديانة اليهودية ، ثم أسرع العقل البشرى إلى تعظيم وتوسيع نطاق ذلك التمييز ، حتى جاء نظام تعيين الأساقفة ورسامتهم فوطد دعائمة وثبت أركانة وعظم شأنه ، حتى بلغ الأمر تدريجياً إلى خلع لقب " رئيس الكهنة " أو " الحبر الأعظم " على الأسقف وهكذا أيضاً أخذ الشيوخ وبعد ذلك الشمامسة يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم الشعب هيئة مقدسة كالأساقفة ، ثم ادعت تلك الفئة الكهنوتية لنفسها مركز الوساطة وذيادة القرب إلى الله ، كما دعت السيادة والسلطان على الشعب ، وبدلاً من أن الله يكلم الإنسان ويخاطب ضميره وقلبه مباشرة بواسطة كلمته وهكذا يأتي بالقلب والضميرإلى محضره تعالى تصدى الكهنوت متوسطاً بين الله والإنسان»(2) ويكمل ويقول « ولم تعين للإكليروس مرتبات شهرية إلا في سنة 245م ، وحينذ منعوا عن الاستمرار في ممارسة وظائفهم الحرفية » (3) وتقول " بربارة واترسون" « وفى القرن الثانى الميلادى نظمت الكنيسة في شكل نظام متدرج من الرتب الكنسية يتكون من الأساقفة والقساوسة والشمامسة هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم الوصاية على العقيدة الصحيحة» (4) و يؤكد هذا الكلام المؤرخ " جون لوريمر " ويثبت أن نظام الكهنوت الجديد هذا بدأ في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثانى وبدأ الترسيخ لها على أيدى " أكلميندس و أغناطيوس " فكتب يقول « فقد استحدث إتجاها كان له الأثر البالغ في نظام الكنيسة في القرون اللاحقة ففي وقت قصير نسبياً بدأ هؤلاء الأساقفة يصبحون حكام الكنيسة في كل المسيحية ، وصارت الخلافة الرسولية هي الأساس لكل سلطانهم فيها »(5) ومن المعروف أن بحسب الخلافة الرسولية لايُسمح للشعب بتعيين الكهنة بل السُلطة النهائية والمُطلقة لطبقة الإكليروس فقط ، فبالتالى تم عزل الشعب عن الشؤن اللاهوتية ونجد في " الدسقولية أي تعاليم الرسل حسب الكنيسة التقليدية " تم الترسيخ لسُلطة الكهنوت المُطلقة « أعط للكاهن ما يجب أن تدفعه له ، وهو أوائل نذورك ومعاصرك لمغفرة ذنوبك لأنه الواسطة بينك وبين الله ، وبين من هو محتاج إلى غفران الذنوب ، يجب عليك أن تدفع له وهو يجب عليه أن يدبر جيداً ما يأخذه ، لأنه المقدم من الله لتدبير الأعمال الكنسية ، ولايجوز لك أن تحاسب الأسقف ، ولا أن تسأل عن تدبيره كيف يعمل أو في أي موضع يدفع ، أو إن كان يدبرها جيداً أو رديا»(6) وقطعاً لايمكن أن تكون هذه التعاليم هي تعاليم الرسل لأن غفران الخطايا كما يعلمالكتاب المقدس ليس بتقديم النذور والوسيط الوحيد بين الله والإنسان ليس هو الكاهن لكن هو المسيح ، فهذه التعاليم تُعطى سُلطة للكاهن بحيث لايمكن لإنسان أن ينتقدهم مع أن المسيح إنتقد الكهنة في عصره ، هنا يصدق قول " نيتشه" عن مثل هذه الفئة من الكهنة «وكل منيهاجمهم سرعان ما يبدو مدنساً»(7)
برغم أن رسالة المسيحية للجميع وكل مسيحي من المفترض أن يكون كاهن ولاهوتى يتعلم ويدرس ثم يصير مُعلم وهذه دعوة للجميع فالمسيح لم يؤسس رتب كهنوتية ولانرى في العهد الجديد هذا التمييز بين المؤمنين ، ولا توجد رتب مختلفة ولا مناصب أسسها المسيح لأن المسيحية ليست مؤسسة مثل الدولة ، بل هي علاقة روحية بين الله والإنسان وهذه العلاقة تقوم على أساس الحب فكيف تكون هناك علاقة حب بين الله والإنسان وفى نفس الوقت يكون هناك وسطاء في هذه العلاقة الشخصية؟ ومن يقول أن هناك رتب مختلفة ومتمايزة موجودة في العهدالجديد مثل " الأسقف أو الشيخ " فيجيب " يوحنا لورانس " « إن رؤساء الكهنة كانوا يسمون قسوساً أوشيوخاً عبارة مستعارة من اليهود تدل بالحرى على حكمة الشخص لا على عمره وأحياناً يدعونهم أيضاً أساقفة لأنه يتضح باجلى بيان بانهما كلمتان مترادفتان مستعملتان في العهد الجديد لرتبة واحدة بعينها » (8)
ويقول الكتاب المقدس " وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه . له المجد والسلطان إلى أبد الأبدين أمين ” ( رؤ 5:1-6 ) وهذه الآية كفيلة لتفنيد ماطرحه " الأنبا رافائيل " لأن الآية تتكلم عن " كل المؤمنين وليس عن فئة خاصة " ، وإذا كان التنوير هو إستخدام الإنسان لعقله فالإيمان الحقيقى يتطلب ربط اللاهوت بكل مؤمن وليس بفئة معينة فقط لأن ربط اللاهوت بالطبقة الكهنوتية فقط يخلق حالة من الجهل عند باقىالمسيحيون العاديون ويعزل المسيحي عن مسيحيته ويكرس للإتكاليه الفكرية واللاهوتية ومن هنا يفقد المرء عقله وإستقلاله، وفكرة أنالكهنوت مثله مثل باقى التخصصات كالهندسة والرياضيات والطب وكل تخصص له طبقته الخاصة واللاهوت ليس إستثناءاً هذه الحجة نجدها منتشره على الفضائيات ومواقع التواصل الإجتماعى يستخدمها رجال الدين المسيحيين وغير المسيحيين أيضاً ، وهذه ليست بحجة ولا دليل بل حقيقة هذه الحجة وجوهرها يشكل إهانه كبيرة للإله وللإنسان فالهندسة والرياضيات والطب ليست أمور ذاتية وجودية بل أمور ترتبط بميول الإنسان وحبه لتخصص من التخصصات عكس اللاهوت الذى هو أمر شخصى ومصيرى فاللاهوت يشكل مصير الإنسان فكيف يكون مصيرى ملكاً لجماعة من الناس ؟ أليس غاية اللاهوت هو بناء علاقة روحية مع الله فكيف يكون الشىء الذى يبنى ذاتى يكون مُحتكر من قبل فئة خارجة عنى؟
الخلاصة : رسالة " السيد المسيح" ليست رسالة مبنية على الألقاب والرتب الكنسية كما يعتقد هؤلاء لكنها رسالة تعتمد على القلب والروح والوجدان ، ومنطق الروح والقلب يختلف تماماً عن منطق الرتب والمناصب فالحب الإلهى يلغى التمايز والطبقية بين المؤمنين ولا يعطى سلطاناً لأحد أن يتسلط على أحد " "ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع." (غل3: 28).
المراجع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-https://www.youtube.com/watch?v=IhZ3mIVp1Hg
2- أندرو ملر : مختصر تاريخ الكنيسة ص (124)
3- نفس المرجع ص (125)
4-بربارة واترسون : أقباط مصر ص ( 50)
5- جون لوريمر : تاريخ الكنيسة عصر الآباء من القرن الأول حتى السادس ص( 66)
6- الدسقولية : تعريب القمص مرقص داود ص ( 72)
7- فريدريك نيتشه : هكذا تكلم ذرادشت ص ( 179)
8 -يوحنا لورنس : تاريخ الكنيسة المسيحية القديمة والحديثة في ست كتب ص (31)