عماد برسوم يكتب: طـالبــان... فـــى كـل مكــان
- - انتحار فتاة عمرها سبعة عشر عاما لم يصدقها أهلها بأنها بريئة من الصور الفاضحة المركبة والملفقة لها.
- - تحويل مُدرّسة إلى التحقيق بسبب رقصها أثناء رحلة مدرسية – فرحانة وتحب الحياة.
- - تصوير سيدة ترتدى ملابس بحر في شرفة منزلها وإحضار الشرطة لها. – عايشة بحريتها!
- - إلقاء سيدة بنفسها من الشرفة ومصرعها خوفا من بطش سكان عقار اقتحموا منزلها شكا في سلوكها.
هذا بعض مما سمعنا عنه وشاهدناه مؤخرا في وسائل الاعلام، ولكن بالتأكيد هناك الكثير والكثير من الحوادث المشابهة وأشكال أكثر من أنواع الترهيب، التعسف، البطش، التنكيل، التحرش، العنف، و القهر ضد المرأة لمجرد أنها أنثى!
شيء يثير يوما بعد يوم الغضب العنيف والاشمئزاز من جانب كبير من مجتمع كنا نعرفه يوما سليل اقدم و اعظم الحضارات التي عرفتها البشرية، الحضارة التي قيل عنها أنها فجرت وصنعت الضمير الإنسانى منذ فجر التاريخ، أصحاب حضارة وعقيدة كانت تُحرّم تعذيب الحيوان وقطع الشجر، وتلويث مياه النهر، فما بالكم بتشريعاتها الخاصة باحترام الإنسانية والمساواة والعدل، بل افضل من ذلك إعلاء شأن المرأة فوق الكل لكونها الأم، الأخت، الابنة، الحبيبة، الزوجة والأهم، هي أصل الحياة.
كيف يحدث ذلك في مجتمع خرج منه يوما مفكرين وادباء عظماء، مبدعين في جميع أنواع الفنون، ومازال يخرج علينا الأكثر كل يوم، مجتمع يبنى ويؤسس كل يوم بنية تحتية تماثل في تطورها الدول الكبيرة!
بالطبع الكل يعرف الأسباب التي أدت إلى هذه الردة الحضارية التي تماثل ما حدت في البلدان الثيوقراطية حيث يحكم الدين بدلا من السياسة والنصوص الدينية بدلا من قواعد القانون والدساتير التي تحمى الحريات وتحقق المساواة والعدل.
لقد تغيرت التركيبة النفسية والاجتماعية لفصيل كبير بالمجتمع المصرى مع ازدياد تأثير ظاهرة البترودولار بسبب العدد الهائل للمصريين الذين عملوا في دول الخليج وخاصة المملكة السعودية، تزامن ذلك مع السماح للجماعات الدينية بالعمل العلنى وممارسة نشاطهم داخل الجامعات والنقابات المهنية، اعتقادا بأن ذلك سيكون بمثابة حائط سد أمام الأحزاب والأفكار اليسارية، الشيوعية، الناصرية والاشتراكية. ووصل تأثير الفكر السلفى ذروته بعد انتهاء حرب تحرير أفغانستان من الغزو السوفييتى التي خلفت مجموعات كبيرة من المقاتلين اللذين كانوا يحاربون باسم الدين و مع شعورهم بالقوة و قناعتهم بانهم على حق ولدتا القاعدة و طالبان كقوتين أساسيتين هدفهما تأسيس الدولة الدينية، ثم بدأ العمل على تحقيق ذلك من خلال محورين رئيسيين، عسكرى وهو ما عرف بالإرهاب الدينى منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضى، والعمل الفكرى و الثقافي و الاجتماعى على الأرض الذى لاقى قبول كبير جدا من اكبر مؤسسة دينية و هو الأزهر بالإضافة الى قطاعات كبيرة في دوائر الدولة، التعليم، الإعلام و قد امتد لبعض فئات من الجيش و الشرطة. وبدأ صراع جديد ومن نوع غريب! من الأكثر تدينا وفهما للدين؟ الدولة أم الجماعات الدينية؟ وكانت من أهم أدوات هذا الصراع هو تغيير معالم الشخصية المصرية من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من أنصار إما الدولة المؤمنة أو الجماعات المؤمنة أيضا! باعتبار أنه بعد ألف وأربعمائة عام لم تكن مصر دولة مؤمنة!!
وبالطبع كل ذلك كان يتم ذلك بمباركة ودعم دول الخليج وعلى رأسهم السعودية..
مرت سنوات طويلة أخرجت اجيالا جديدة لا تعرف وجه مصرالراقى، الجميل، المتحضر الحقيقى، وأمسينا، على سبيل المثال، نرى فتيات في المرحلة المدرسية والجامعية يرتدن الحجاب في حين أن أمهاتهن لا يفعلن ذلك، وشباب يرتدى خاتم الخطوبة من الفضة بدلا من الذهب في حين أن اباءهم ما زالوا يضعون خاتم زواج من الذهب، وكم هائل من تغيرات جذرية بهذا القطاع الكبير من المجتمع المصرى أخذته في رحلة الى الوراء الى مكان و زمان لم نسمع عنه من قبل، و بات مثل فيلم خيال "غيرعلمى" محفوف بالكثير من مشاهد الرعب.
ثم أتى التغيير الذى أصاب الكثير من دول المنطقة على نحو ايجابى، حدثت ثورات وانتفاضات شعبية وتبدل شكل المنطقة، وأدركت بعض الشعوب العربية بالتحديد في الخليج العربى وخاصة الدولة الاكثر تشددا وهي السعودية، أنه لابد من الاعتراف بحتمية حركة التطور الانسانى والحضارى والفكرى وانه إذا أراد شعب أو مجتمع أن يسير في طريق التقدم فلابد أن يؤمن بالحرية الفردية واحترامها و تأمينها.
لكن مع شديد الأسف لم نر أقدم وأهم و اكبر دول المنطقة تخطو خطوة واحدة نحو هذا النهج، وأصبحنا في الوقت الذى ألغت فيه السعودية نظام الشرطة الدينية (المطوع) نجد مجتمعنا ما زال يراقب و ينتقد ويحكم و يعاقب المرأة لمجرد أنها تعيش في هذا المجتمع الذى به قطاع كبير مريض و مشوه نفسيا، الذى يعانى من الحرمان و الكبت، مجتمع ما زال لا يعى المفهوم المتكامل لمعنى الحرية، لا يقبل الآخر ولا يرى المستقبل و لم يتعلم تاريخه، هذا التاريخ الذى يحاول طمسه الحرس الحديدى لمؤسسة الأزهر بمشاركة دعاة التكفير والسلفية، حتى أصبحت طالبان في كل مكان.