هاني صبحي يكتب: على قهوة في شبرا... صاحب الكورة!!

في الوسعاية اللي ورا مدرسة عثمان؟ فعرفوني أنهم رايحين يلعبوا في أحد ملاعب الخماسي النجيلة الصناعي اللي بقت منتشرة اليومين دول، قلت لهم إحنا كنا بننط من فوق مركز شباب الساحل عشان نزوغ من ربع جنيه حق التذكرة.. أحنا كنا بنتنفس كورة، الشلة كلها كانت كروية بامتياز .. كريم وواحد تاني كانوا زملكاوية والباقي أهلاوية.. عينيا فتحت من الطفولة على أبويا قدام التليفزيون الأبيض وأسود أبو بكرة ده ..هو مكانش فقط بيتابع المباراة بتاعة الأهلي، ده كان بيلعب معاهم، دماغه بتتحرك مع كل ضربة رأس متوقعة جوه المنطقة، ورجله بتسدد الكرة نيابة عن أي لاعب متقاعس . وقت المباراة كانت أمي بتشيل من قدامه أي شيء قابل للكسر، ورثت عنه تشجيع الأهلي وعشق كرة القدم عمومًا .. كان بيبقى يوم عيد لما يصطحبني معاه للإستاد، أيام ما كان الجمهور بيحضر! الكوره كانت فعلا للجماهير، قبل ما تبقى للرعاة واستوديوهات التحليل في الفضائيات، ودوري أشبه بدوري الشركات .... كانت من أحلام اليقظة عندي أني أطلع لاعب كرة وبجيب أهداف والجماهير بتهتف لي، كنت بستجيب لأي دعوة للعب الكرة سواء في الشارع عندنا أو في المناطق المجاورة أو مراكز الشباب. كانت كنايس شبرا متعودة تعمل كل صيف دورات لكرة القدم وأنشطة تانية كتير، فكنت عضو مؤثر دايمًا في فريق الكنيسة.. عمري ما هانسى لما كان عندنا ماتش في مرحلة الثانوي وقبلها بليلة واحدة انفرط عقد الفريق بسفر اثنين أخوات وإصابة واحد بنزلة برد شديدة، ساعتها كنا قاعدين في الكنيسة مع الخادم المسئول عن نشاط الكورة نفكر في حل للورطة دي .. الماتش بيبقى خماسي وكده معندناش غير أربعة أفراد ومفيش احتياطي، لحد ما شغلت دماغي وقلت للخادم أنا ممكن أجيب "زخاري" ابن عمي بكرة يعوض النقص ده .. مرضيتش أبص ناحية كريم لأحسن نظراتنا لبعض تفضح الكدبة .. أنا ماليش أعمام اصلا، ولا حد في عيلتنا كلها اسمه زخاري.. أنا حتى معرفش ليه اخترت الاسم ده تحديدا دوناً عن كل الأسماء المسيحية! بعد ماشينا كريم قال لي: مين زخاري ده يا عم؟ قلت له: أحمد كتكوت قال لي: يا نهارك أسود!! أحمد؟ أنت ملقيتش غير أحمد! قلت له: لو عندك حل تاني قوله، هو الوحيد اللي فاضي والوحيد اللي هيرضى ييجي يلعب كورة لو في قسم الساحل حتى ... روحنا لأحمد كتكوت وفضلنا طول الليل نحفظه الاسم ونفهمه هيعمل إيه عشان ميفضحناش.. وبالفعل أتقابلنا الصبح جوه الكنيسة وعرفناه بالخادم ثم انطلقنا على كنيسة مارجرجس بشارع جزيرة بدران .. دخلنا الملعب الملحق بالكنيسة وغيرنا هدومنا وجاء موعد مباراتنا.. كان العرف المتبع إن الحكم بيجمع الفريقين ونقف في صف واحد في اتجاه الشرق نصلي الصلاة الربانية قبل المباراة.. أنا وكريم كان نفسنا الأرض تتشق وتبلعنا أو نحط شريط لاصق على فمنا عشان نكتم الضحك على نظرات البلاهة الممزوجة بالدهشة اللي بتصرخ في عين أحمد مع محاولاته أنه يبدو كواحد مسيحي مننا، وهو مؤكد بيدعي ربنا إن اليوم ده يعدي على خير . مفاتش 3 دقائق إلا وارتكب أحمد فاول ضد لاعب من الفريق التاني – فصفر الحكم – جرى عليه أحمد يصرخ: والمصحف ما فاول!! توقف الزمن للحظات والصفارة انحشرت في فم الحكم وكريم حط إيده على رأسه وأنا كنت على وشك الانهيار والحكم بيقول له: نعم؟! حتى استطرد أحمد بسرعة بديهة يحسد عليها: والإنجيل ما فاول والمصحف ما فاول والتوراة ما فاول.. أحلف لك بأيه تاني يا كابتن؟ رد عليه: أنا مش كابتن، وأحنا مبنحلفش يا حبيبي ... وأداله إنذار مفاتش دقيقتين كمان إلا وكان أحمد ارتكب فاول تاني أعنف استحق عليه الطرد، وأنا تكفلت بالجري على أحمد أمنع طوفان الشتايم المتوقع واصطحبته خارج الملعب وأنا باهمس له: روح أنت يا أحمد كتر ألف خيرك متشكرين جدًا.. وحلفته بأمه يلبس هدومه من سكات، كل ده وسط ذهول ونظرات قاتلة من أستاذ رفيق الخادم بتاعنا .. وكأنه بيقول لي هو ده ابن عمك المنقذ؟! قبل أن أعود للمباراة اللي لعبناها لآخرها ناقصين لاعب وأتغلبناها 6/ صفر على ما اذكر.. غيرنا هدومنا وجينا نخرج، استوقفنا خادم من اللي مسئولين عن النشاط الرياضي، وقال لأستاذ رفيق: لو سمحت يا رفيق ابقى وصي على الولد اللي اتطرد ده يحترم الكنسية ويلتزم بالسلوكيات شوية.. أستاذ رفيق سأله وهو بيبص لي والشرر متطاير من عينه: ماله عمل ايه زخاري؟ قال له: ينفع برضه وهو خارج يعاكس بنت من بنات الكنيسة ويقول لها اللهم صل على النبي؟ ** وللحديث بقية.. ** جزء من رواية على قهوة في شبرا _ يناير 2020 .. دار الفؤاد للنشر والتوزيع