هل خضعت السينما المصرية للوصاية الدينية السلفية الاصولية؟
فيلم ” الملحد” بين سيف ”المنع من العرض”... ومقصلة ”المراجعة الأزهرية” (2)
تحقيق: إيهاب أدونيا
يلقى البعض اللوم على "الجمهورية الجديدة"، والمقصود بها سنوات ما بعد أحداث يونيو 2013 التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين رفضاً للحكم الديني أو هكذا بدا قلة الاهتمام بقضايا التنوير، أو تقلص الجهود لنفض غبار سنوات من التدين المظهري الشعبوي، أو ترك الشارع لتيارات وأفكار وأفراد يعملون من خلف الستار ومن تحت المنابر ويجرون الجموع جراً إلى خانة الانغلاق والتشدد، أو تعمد إفساح ساحة الإفتاء في الطب والسياسة والهندسة والتجارة والدواء والآثار والدراما والأدب والدولار لرجال دين لا لأهل الاختصاص.
ويرون أن هيمنة تيار التدين الشعبوي تكشف عن وجهها بين الحين والآخر، تارة بمنع عمل فني، وأخرى بنهش سمعة فنانات، وثالثة بالسكوت على اعتبار كل من طرح سؤالاً أو فتح نقاشاً أو قال رأياً مغايراً للسائد عرضة لعقوبة "ازدراء الأديان" القانونية، أو تهمة الترويج للكفر ونشر الإلحاد الشعبية، وذلك في غياب جهات ومؤسسات يفترض أنها تدافع عن حرية التعبير والفن والإبداع والإنسان.
تعداد الملحدين
بعيداً عن صعوبة تعريف الإلحاد، لا سيما أن بعضاً منهم يعتبر النقاش في الدين أو قبول أديان أخرى أو العمل في الفن أو المطالبة بالعلمانية أو التحول من دين سماوي لآخر وغيرها مظاهر إلحاد، وبعيداً أيضاً من أن المشكلة بهذا المفهوم الشعبي يمكن أن تختفي تماماً حين يحتفظ الملحد بإلحاده لنفسه، خرج أستاذ الفقه المقارن أحمد كريمة صاحب الظهور التلفزيوني المكثف في شهر أبريل الماضي ليعلن أن تعداد الملحدين في مصر تجاوز 3 ملايين ملحد، وذلك بناء على دراسات وإحصاءات لم يعلن اسمها أو جهة إجرائها أو توقيتها.
بينما كتب الفيلم في التتر الرسمي له " لا تزال أعداد الملحدين في مصر غير معروفة على نحو دقيق"
الفن... وأزمة ازدواجية المجتمع
المجتمع المصري والعربي بشكل عام أصبح يعاني من ازدواجية مدهشة، والازدواج هنا أقرب إلى ميكانيزم أو آلية ميكانيكية للتعامل مع الأمور والأشياء، بمعنى انه قد يقبل أمورا علمية متطورة ومهمة، دون أن يسأل نفسه إن كانت تتعارض مع ثقافته ومورثه أم لا؟!، وقد يُقبل على الحياة والمتع دون أن يسأل نفسه نفس السؤال؟! وفي المقابل يؤمن بفكر ومورثات تحرم عليه حتى عمله الذي يتربح منه، ويدافع عن موقفها وتحريمها هذا، ولا يجد تعارضا من العمل والتكسب في هذا الأمر المحرم، بل إنه يخلق منطقا مدهشا يجعلنا نقف في حيرة ولا نعرف هل نقبل به أم نرفضه.
للأسف نحن في مجمل تفكيرنا نفعل ذلك، فنحن حداثيين جدا في أمور تتعارض مع مجمل ما يقوم عليه تراثنا، وتراثيين تماما حتى مع ما يتعارض مع أدق تفاصيل حياتنا، ولدينا قدرة على خلق منطق ميكانيكي التبرير لقبول النقيضين معا، منطق لا يجيزه عقل لكننا مضطرين للقبول به، لأنه منطق الضرورة، أو منطق أكل الميتة في حال الإشراف على الموت جوعا. فالحياة لابد أن تُعاش، ولسنا المتحكمين فيها ولا في إنجازاتها، أما التراث فإنه محمول على أكتافنا أينما ذهبنا، ولا توجد لدينا فرصة ولا رغبة في التخفيف من بعض ما لم نعد بحاجة إليه، لذا فإننا مضطرون أن نعيش الحياة العصرية الحديثة وعلى أكتافنا كل "كراكيب" العصور القديمة.
وفي حال وجود أي دعوة للتفكير أو الوعي، فإن المزايدين والمعطلين والرافضين لإرهاق رؤوسهم سوف يتحولون إلى مفتشي ضمائر، وقضاة وجلادين لا ينتظرون شهودا ولا اعترافا، كي يقطعوا رأس أي شخص تجرأ وفكر.
إبراهيم عيسى: "الملحد" ليس مجرد فيلم بل اختبار للدولة المدنية التي ندافع عنها ونحترم دستورها
أما مؤلف الفيلم إبراهيم عيسى، فدخل على خط مهاجمة المنع عبر حسابه على موقع “X”، إذ نشر قائلاً: “ماذا فعل العظيم نجيب محفوظ حين منعوا روايته أولاد حارتنا؟ كتب رواية جديدة، ماذا فعل العظيم عبدالرحمن الشرقاوي حين منعوا عرض مسرحيته “الحسين ثائرا” كتب مسرحية جديدة، واستمرت أولاد حارتنا والحسين ثائراً يقرأها جيل وراء جيل وعاشت كلماتهم خالدة في الوجدان والعقل… الفن أقوى من المنع ومن الرصاص بل ومن الموت، يموت المفكر وتخلد الفكرة. يموت الفنان ويخلد فنه”.
كذلك نشر عيسى عبر حسابه صورة من مادتي الدستور 65 و67 المتعلقتين بحرية الرأي والتعبير، معلقاً عليها بقوله: “الملحد ليس مجرد فيلم سينمائي بل هي الدولة المدنية الحديثة التي ندافع عنها ونحترم دستورها”.
أثارت الأعمال الفنية التي قدّمها عيسى الجدل، بداية من فيلم “مولانا”، ثم “الضيف” و”صاحب المقام”. كذلك، خاض فاتن أمل حربي عبر مسلسلاته، معركة ضخمة مع مؤسسة الأزهر بسبب قوانين الأحوال الشخصية. ولا يقتصر الجدل فقط على محتوى هذه الأعمال، وإنما بسبب شخصية إبراهيم عيسى نفسه، وتصريحاته التي يراجع فيها التراث الإسلامي بلا خوف.
إلا أن لفيلم “الملحد” خصوصية تتعلق بأن موعد عرضه جاء بعد شهور قليلة من انطلاق مؤسسة “تكوين” للفكر العربي.
سحر الجعارة: الأزهر يؤسس لهيئة الأمر بالمعروف.. وهو سقوط مدوي للدولة المدنية وللدستور والقانون
من جانبها أكدت الكاتبة الصحفية سحر الجعارة أن ما يفعله الأزهر من ممارسة الوصاية علي المجتمع ويؤسس هيئة للأمر بالمعروف فهذا معناه سقوط مدوي للدولة المدنية .. سقوط للدستور والقانون
مشيرة أن بمثل تلك الوصاية الدينية تعود مصر للجاهلية، وسخرت من الأمر بقولها "لم يتبق إلا رئيس الرقابة الفنية يذهب للركوع في أروقة الأزهر ويقبل الأيادي".
طارق الشناوي: الأعمال التي تقترب من "التابوه" الديني تعلق لها المشانق... والفن لابد أن يكون له متنفس فكري
من جهته صرح الناقد طارق الشناوي إن الأعمال التي تقترب من التابوه الديني وتحاول تقديم وجهة نظر طرف آخر حتى لو بهدف الوصول إلى الإيمان بالعقل والمنطق، ووجود نهاية منطقية ومرضية لكل الناس بما فيهم التيارات الدينية لا تستحوذ إلا على الهجوم حتى قبل مشاهدتها، وهذا مصير محتوم وغير مفاجئ بالنسبة إلينا جميعاً، ونرى ما يحدث لفيلم الملحد الذي لم يعرض بعد، إذ علقت المشانق لكل من سيحاول مشاهدته، وجاء الحكم المسبق لمجرد أن العمل يناقش قضية واقعية ويحاول فهم أسبابها، لكن المتربصين لا تعنيهم المناقشة بل الأهم هو المنع والوأد قبل المشاهدة".
وتابع الشناوي "لا بد أن يكون هناك متنفس فكري يحدث جدلاً منطقياً وهذا في صالح المعتقدات والأديان لأن هذا النقاش يفند بحكمة ومنطق كيفية الوصول إلى الإيمان بالمعتقدات الدينية بكل اقتناع، لكن بكل أسف أي فيلم يحاول طرح أي فكرة متعلقة بالأديان يحارب من قبل تصويره، وتقابله عاصفة رهيبة من الهجوم لمحاولة المنع حتى قبل المشاهدة، ولو فكر المهاجمون قليلاً سيدركون أنه من المهم وجود هذه النوعية، لكن الهجوم يكون على سبيل الاحتياط".
وكشف الشناوي عن أنه من المستحيل أن توافق الرقابة على أعمال تروج للإلحاد أو تشكك في الأديان، لكن يتم التعرض للقصة بصورة درامية واتجاهات مختلفة لاستخلاص حكمة أو رسالة في صالح الدين وليس العكس. وشدد على أنه "طبقاً للمعايير الرقابية المتعارف عليها يتم حذف أي مشهد يحرض أو يحمل شبهة الترويج لأي شيء مخالف للدين".
واختتم بأن "قضية الإلحاد موجودة ومعروفة، ومن حق الفن أن يتناول كل قضايا وشرائح المجتمع وتقديم ذلك بصورة محايدة من دون تبن للقضية أو دفاع أو ترويج".
الفيلم مجاز رقابياً، وقد مرّ على كل الجهات القانونية التي لها الحق في السماح بعرضه، والمنتج أحمد السبكي لن يغامر بأمواله لطرح فيلم يعادي به الجمهور. والفيلم مهما طرح من أفكار تخالف معتقدات البعض، يمكن الردّ عليه بعمل آخر، فلماذا الخوف إذاً، وإصدار الأحكام المسبقة؟
ليس من حق الأزهر أو أي مؤسسة دينية أن تمارس أي رقابة على الفن بمصر وعلى الأفلام والمسلسلات وان تمارس وصاية وسلطة دينية وكان مصر تحولت لدولة دينية كــ"إيران" تمارس الرقابة على حرية الفن
يجب عرض فيلم الملحد مع كفالة حرية الفن وحرية انتقاد الفيلم وعدم منع عرض هذا الفيلم حتى وان تعارض مع ثقافة المجتمع أو تعارض مع الأديان، فالفن رسالة يجب ممارستها بكل حرية.